جحر المخزن

جُـحْـر المـخـزن 

الانتخاب و الديمقراطية

تشكل الانتخابات، في الفكر السياسي الغربي الحديث، القلب من جسم النظام الديمقراطي. فهي تعبر عن إرادة الشعب وتجعل منه مصدر الشرعية ومصدر السلطة، فيما ينحصر دور الحاكم أو الحكومة في تنفيذتلك الإرادة.
بهذا تسهم الانتخابات في إضفاء الطابع المؤسسي على جوهر الديمقراطية، وهو حكم الشعب لنفسه عن طريق الأنظمة التمثيلية النيابية. لكن هل يمثل إجراء الانتخاب مؤشرا على وجود الديمقراطية؟ هل هما وجهان لعملة واحدة؟

ألا تشكل الانتخابات- في مغربنا- التفافا على الديمقراطية؟ ألا تؤدي وظيفة تجميل وجه الاستبداد وشرعنته؟
"ربيع العرب"... والمغرب
ما لا شك فيه أن انتخابات 25 نونبر ستشكل محطة مفصلية في الواقع السياسي المغربي الراهن، فهي تأتي في ظروف مخالفة تماما لسابقاتها. خارجيا لا زال الربيع العربي مستمرا، وقد أينعت زهراته في تونس ومصر وليبيا، فيما يستمر المخاض في اليمن وسوريا والبحرين... أما داخليا فإن المغرب لم يشكل الاستثناء المزعوم، إذ هبت عليه نسمات الربيع العربي منذ 20 فبراير يطالب المناضلون بالحرية والكرامة والعدالة ويخرجون إلى الشارع بشكل سلمي للمطالبة بإسقاط الاستبداد والفساد... جرب المخزن جميع الطرق لوأد هذا الحراك في مهده، فقام بالترويج لدعايات مغرضة كالخيانة والارتزاق وهو أول من يعلم أنهم أنظف منه. وأوعز إلى فقهائه أن يفتوا بعدم جواز التظاهر... ثم جرب التخويف من هؤلاء بدعوى أنهم فوضويون ومخربون، لكن تبين أن جميع أشكالهم النضالية كانت سلمية حضارية. ثم لجأ المخزن إلى مما ليس منه بد، فاستعمل القوة بشكل وحشي لإيقاف الحركة فضرب بقوة فقتل وجرح ... دون جدوى .. وها هو الآن يجرب التهديد بقطع الأرزاق والاعتقال التعسفي والاختطاف يلفق التهم للشرفاء ويجرهم إلى المحاكمات... رغم إقراره دستوره الجديد الذي يعتبر من حيث فصوله المتعلقة بالحريات العامة والحقوق الأساسية مكسبا، لكن الانتقال من النظر إلى العمل يظل معطلا إلى أجل غير مسمى، كما هي شعارات دولة الحق والقانون والحكامة الجيدة...

انتخابات 25 نونبر


ونحن الآن على مشارف الانتخابات القادمة التي تأتي والبلاد على مفترق طرق فإما صم الآذان والاستمرار في الطريق المسدود للاستبداد أو الإنصات لمطالب التغيير... لكن هل يسمع من يهمهم الأمر صوت العقل والحكمة كما لم يسمعه الآخرون، أم أن طبائع الاستبداد هي نفسها وإن اختلفت الأمكنة والأزمنة والفاعلون...؟
يبدو أننا مقبلون على الانتخابات بنفس العقلية المخزنية ... ونفس الوجوه ونفس الآليات وبالتالي نفس النتائج أو لنقل نفس المقاصد رغم تغير وجوه الفائزين، هذا إن تغيرت، ذلك أن مقصد المخزن من الانتخابات وغيرها ليس التعبير عن إرادة الشعب، وإنما إنتاج المشروعية وإعادة إنتاجها كلما بدأت بالتآكل. فالفائزون في الانتخابات إنما يقومون بدور التناوب على شرعنة الاستبداد. إن دائرة تحرك الأحزاب وكذا طريقة الانتخاب وبلقنة الحياة السياسية والتحالفات المشبوهة بين أحزاب المخزن ... كلها تميع المشهد السياسي بحيث يصب في مصلحة المخزن على المدى القريب، لكنه يشكل بكل تأكيد خطرا على الجميع على المدى المتوسط والبعيد. فالانتخابات التي لا تفرز حكومة تحكم ونوابا حقيقيين تعتبر انتخابات شكلية وسيركا للفرجة لا غير، حيث تبذير الأموال وإلهاء الناس وتضييع الطاقات والوقت بشكل فظيع. ثم ينتهي السيرك فيجمع الحاوي معداته وآلاته وناسه وحيواناته، وينصرف كل إلى حال سبيله : صاحب السيرك وشركاؤه يحصون أرباحهم، فيما يستفيق المتفرجون على واقعهم المرير ويعودون إلى همومهم وآمالهم بالتغيير ...

جحر المخزن


إن الانتخابات القادمة لن تكون مختلفة ولن تكون استثناء ولن تحيد عن القاعدة التي رسمها المخزن بكل إتقان. فمهما كان لون الحزب الفائز أو الأحزاب الفائزة التي ستشكل الحكومة، فهي لن تخرج عن خارطة طريق المخزن وهي تكريس الاستبداد والفساد، بل إضفاء الشرعية عليه وتجميله.وهكذا فإن التناوب الذي تم التبشير به أواخر القرن الماضي --- والذي يعتبر آلية لتداول السلطة سلميا داخل النظام الديمقراطي --- لم يغير وجه المغرب بل زاده بؤسا على جميع المستويات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا... وانحصرت وظيفته في إضفاء الشرعية على نظام يكاد يصاب بسكتة قلبية، وهو ما عمق قناعة واحدة هي استحالة إصلاح جحر المخزن من الداخل أو من الخارج. لقد اكتشف اليوسفي ورفاقه أنهم خدعوا وأن مفاتيح الحكم شيفراته السرية ليست في متناولهم... اكتشفوا أنهم كانوا يمارسون عملهم كموظفين، كأشباه وزراء، في  شبه حكومة.. ليقوموا بشرعنة الاستبداد وأداء فروض الطاعة له. ومنهم من رفض أداء هذا الدور القبيح فانسحب في هدوء وفي صمت، في حين استمرأ آخرون لذة الامتيازات. والله وحده ومخابرات المخزن يعلمون أي نوع من الملفات تخرس هؤلاء... فظلوا يؤدون دورهم المطلوب منهم بكل مهارة داخل الجحر دون اعتراض على قدر المخزن وقضائه.

تناوب على الاستبداد


هكذا هي الانتخابات في المغرب، مناسبة للتناوب على شرعنة الاستبداد، وصناعة طبقات من المفسدين والانتهازيين والوصوليين، وتعميق معاناة عامة الشعب الضائع بين الإهانة اليومية في إدارات المخزن، والحرمان من الخدمات الأساسية التي لا شرعية للدولة بدونها حتى وإن اكتسبت الشرعية من سماسرة السياسة.
فهل يعي هؤلاء المحرومون المندفعون لوضع أصواتهم في الصناديق تلاعب المخزن بهم ؟ وهل يأتي الدور على الإسلاميين- إخوان بنكيران - لإضفاء الشرعية على نظام مستبد فيلدغوا من جحر المخزن كما لدغ من قبلهم ؟ وهل سيمارسون دورهم في التناوب على خدمة الاستبداد؟


كتب هذا المقال قبل انتخابات 25 نونبر 2011
وذلك يوم الخميس 17 نونبر 2011

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من هم الفلاسفة الطبيعيون أو الحكماء الطبيعيون السبعة؟

الحرية والقانون Freedom and Law

تحليل نص روسو : أساس المجتمع