أسطورة خلق الكون اليونانية



البداية الغامضة   

 تقول أسطورة الخلق اليونانية إن هذا الكون كان عبارة عن فراغ أي في حالة من الفوضى وغياب النظام المطلق. كان يشكل المادة الخام الأولية التي تفتقر إلى الهيئة والشكل والصورة، لم تكن هناك أرض ولا سماء ولا بحار ولا جبال ولا ليل ولا نهار....


إلهة من عدم

ومن هذه الفوضى أوما يسمى الهيولى أي تلك المادة غير المتعينة أو اللا شيء تولدت جايا Gaia أي الأرض التي ولدت هي الأخرى أورانوس Uranus  أي السماء  وكان أول مولود تلده غايا ..

زواج غريب وأولاد أكثر غرابة

كانت جايا وأورانوس أول زوج وزوجة في الكون. وقد أنجبا العمالقة الخوارق (التيتان والسيكلوب...) من ذوي  المائة يد والخمسين رأس والعين الواحدة في وسط الجبين. وبما أن أورانوس قد خاف من كثرة أولاده الذين كانوا مُسوخا مريعة, فقد خبأهم في غياهب الأرض وأعماقها. بينما أحبتهم جايا كثيرًا . وغضبت على أورانوس زوجها لأنه خبأهم في أعماق الأرض، وصممت في طوية نفسها على الانتقام منه.

صراع الآلهة : قتل وخيانة وانتقام

 كان إله الزمن كرونوس Chronos  أصغر أبناء جايا وأورانوس, الوحيد الذي لم يخف من أبيه. صنعت له جايا منجلا من أقوى وأشد الصخور التي عثرت عليها, ثم أعطته له وشرحت له تماما كيف ينتقم من أبيه أورانوس.


    كانت جايا تعلم أن أورانوس إله السماء كان ينزل كل ليلة مع حلول الظلام إلى الأرض. وعلى هذا الأساس أمرت كرونوس أن يتربص لأبيه ويضربه بهذا المنجل عندما يستلقي للراحة. تصرّف كرونوس كما أمرته أمه تمامًا، فقتل أباه بضربة واحدة، وورث مكانه كإله للسماء، وتزوج من أخته ريا Rhea  إحدى آلهات الأرض. وهكذا أوجد كرونوس السلالة البشرية الأولى المصنوعة من الذهب, وعلى هذا الأساس, سُمي عصره بالعصر الذهبي. لم يضطر الناس في هذا العصر إلى العمل ولم يمرضوا أو يموتوا.

إله الزمن يلتهم أبناءه

 إلا أن كرونوس كان بربريا وحشيًا مثل أبيه. وبما أنه كان يعرف أن أحد أبنائه قد ينحيّه عن الحكم، فقد قرر أن يبتلع أولاده فور ولادتهم، كي لا يستطيع أحد منهم أن يرثه ويفرض سيطرته على العالم بدلا منه. وعندما حملت ريا بزيوس, أدركت ما الذي ينتظره بعد مولده, لذلك, توجهت ريا الى أمها جايا, فساعدتها على الوصول إلى جزيرة كريت حيث وضعت هناك ابنها زيوس Zeus  في مغارة, وهناك كانت الحواري تسقيه الحليب، بينما كان العفاريت الصغار يرقصون ويخشخشون برماحهم، ويحامون عنه ويحرسونه ويهدئون من روعه عندما يبكي. كما هي العادة جاء كرونوس بعد الولادة  ليبتلع المولود الجديد
فماذا فعلت ريا؟
                                                       ريا تسلم كرونوس الصخرة الملفوفة في القماط

إله ينجو من الموت بحيلة من جدته

 لفـّت صخرة قاسية في القماط وسلمته لزوجها. ابتلع كرونوس الصخرة الملفوفة دون أن يشك في محتواها.

وهكذا نجا زيوس، وكبر وهو متستر، ليصبح بعد ذلك أقوى وأعظم إله. عندما بلغ زيوس سن الرشد انضم الى جيش أمه جايا المكون من العمالقة والمسوخ, والى آلهة أخرى ليحارب كرونوس ويقضي عليه. كانت الحرب رهيبة واستمرت على مدار سنوات عديدة. وقتل جميع مواليد العصر الذهبي. وبالطبع انتصر زيوس في المعركة، وخلّص أخوانه وأخواته, وبنى لنفسه قصرًا, كان مقرًا سيطر منه على البلاد وعلى الناس وعلى الآلهة. وكان هذا القصر بالطبع الاوليمبوس المشهور. تزوج زيوس من أخته هيرا  Hera      أنجبا الكثير من الأولاد. وكان لزيوس نساء أخريات وضعن له الأولاد أيضا. وعلى هذا النحو امتلأ الكون بسرعة بالآلهة الأخرى.

وأخيرا يظهر البشر...

 قرر زيوس أن يُنتج سلالة بشرية، تمجّد آلهة الاوليمبوس وتقدرها. خُلقت السلالة الجديدة من الفضة ولكن أيامها كانت قصيرة. وكان مواليد ذلك العصر أغبياء لم يحترموا الآلهة، الأمر الذي أثار عليهم غضب زيوس، لذلك اتخذ زيوس قرارا بأن  أخفى أهل عصر الفضة في رُكن بعيد جدًا في غياهب الأرض في العالم السفلي.

لا تسير الأمور في الكون كما ينبغي بدون أبناء البشر، وهكذا بدأ عصر البرونز الذي أوجد فيه زيوس السلالة البشرية الثالثة المصنوعة من البرونز. ولكن زيوس لم يهنأ  بهؤلاء الناس لأن أهل هذا العصر كانوا عدوانيين ومن مثيري الفتن والفساد... لذا قرر زيوس أن يخفيهم على الفور في أعماق العالم السفلي. حينذاك نشأ في العالم جيل الأبطال الذين تحدثت عنهم الأساطير الرائعة في التراث الهيليني. منح كل بطل في عصر الأبطال مكان خاصا “في الجزر المباركة الميمونة” الكائنة في أعماق العالم السفلي. كان النور والجمال يعم هذه الجزر بشكل دائم, ولكن حتى رجالات عصر الأبطال, اختفت معالمهم...

آخر سلالة بشرية كتب عليها  أن تشقى وتموت

 وجاءت بعدهم السلالة التي تعرف بالسلالة الحديدية والتي من المفروض، بموجب حكايات الأساطير اليونانية أن تكون أقسى وأصعب من جميع السلالات التي سبقتها. كان يترتب على أهل العصر الحديدي أن يعملوا ويشقوا طوال أيام حياتهم ، وأن يعانوا ويموتوا كذلك. ومع كل هذا فقد كانوا يُعتبرون أقوى من جميع السابقين، وكانوا أيضا السبب المباشر لخلود وبقاء آلهة الاوليمبوس.


يمكن استثمار هذه الأسطورة لتلاميذ الجذع المشترك في مادة الفلسفة في موضوع نشأة الفلسفة وعلاقتها بالأسطورة والمقارنة بينها وبين قولة طاليس الواردة في نص نيتشه


:للمزيد يمكنكم الاطلاع على المواضيع التالية


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من هم الفلاسفة الطبيعيون أو الحكماء الطبيعيون السبعة؟

الحرية والقانون Freedom and Law

تحليل نص روسو : أساس المجتمع