ربيع العرب ثورة أم مؤامرة ؟
1-
تقديم ( السؤال المشروع والنية
السيئة)
كنت ممن خرجوا إلى الشارع هاتفين للكرامة
والحرية ، اعتقلت ، وحوكمت ، ... فاكتشفت أن صوتي المبحوح في الشارع وعظامي
المكسورة بالعصي الغليظة وقضبان الحديد ... لم يكن كل ذلك إلا مؤامرة. لم أفهم في
البداية معنى المؤامرة، لأنني كنت أسمع جميع حكام بلاد العرب يتحدثون عن المؤامرة
التي تحاك في الخفاء. ومن كثرة الحديث عن المؤامرة لم نعد نعرف معناها. مؤامرة
أبطالها من الداخل والخارج، منهم من يريد الوصول إلى السلطة ومنهم من يريد إسقاط
الدولة وبث الفوضى. إن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو توالي الحديث عن وجود
مؤامرة وراء اندلاع أحداث الربيع العربي وكذا مشاركتي في فصول من هذه المسرحية /
الربيع . فهل ربيع العرب مؤامرة ؟ أم هو ثورة ؟ هل هذا السؤال يريد كشف الحقيقة ؟
أم هو سؤال يخفي سوء نية ؟ من تآمر على من ؟ ولمن ولماذا ؟ هل يمكن تفسير كل
الثورات انطلاقا من نظرية المؤامرة؟ أم أن المؤامرة لا تنطبق إلا على العرب؟ أليست
الشروط كافية لإنجاب ثورة تعيد للعربي الكرامة والحرية؟ ألم يحطم العربي الرقم
القياسي في الصبر حتى مله الصبر؟ أليست الثورة تعبيرا عن إرادة التغيير إلى الأحسن
والتحرر من الظلم ؟
2-
المؤامرة والثورة
تعنى المؤامرة في
قاموس المعاني " مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص ، ما
يدبِّره أشخاص خفيةً ويصمِّمون على تنفيذه ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو دولة ، وهي أيضا
اتِّفاق بين شخصين أو أكثر لارتكاب جريمة أو لتحقيق غاية قانونيّة بوسيلة غير
قانونيّة ". وبالتالي فالمؤامرة
خطة تحاك في السر لإلحاق الضرر بالفرد أو الجماعة. ولم تخل منها مرحلة من مراحل التاريخ الإنسانى
والاجتماعى والسياسى على الإطلاق. تركز نظرية المؤامرة على شرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث على
أنها أسرار، وغالباً ما يحال الأمر إلى مجموعات أو دول متآمرة بشكل منظم تكون وراء
الأحداث. كثير من أصحاب نظرية المؤامرة يدعون أن الأحداث الكبرى في التاريخ قد
هيمن عليها المتآمرون وأداروا الأحداث السياسية من وراء الكواليس.
وفي نفس القاموس
تتحدد الثورة كما يلي : "الثَّوْرَة : تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية يقوم به الشعب في دولةٍ مَّا . قيام
وانتفاضة على الحاكم لإطاحته . انْتِفاضَةٌ مِنْ أَجْلِ التَّغْيِيرِ والسِّيادَةِ
الوَطَنِيَّةِ وَضِدَّ الظُّلْمِ". الثورة إذن طلب تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية
والاقتصادية ، وانتفاضة ضد الظلم طلبا للحرية والكرامة والعدالة.
3-
المؤامرة ( نظرية الفوضى الخلاقة)
سبق أن أشرنا إلى
أن نظرية المؤامرة محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من
الأحداث على أنها أسرار، تدار من طرف جماعات أو دول من وراء ستار. وبما ان الثورات
العربية لم تكتمل بعد فإن الحديث عن المؤامرة سابق لأوانه. لكن مؤشراتها حاضرة
بقوة. لا شك أن المشروع الأمريكي الصهيوني للسيطرة وبسط النفوذ كان ولازال قائما،
بل هو قائم في الواقع لسياسي والاقتصادي والاجتماعي مدعوما ومؤصلا من أنظمة عربية
عشائرية استبدادية موغلة في التقليد والتخلف. المؤامرة إذن تستهدف الشعوب العربية
وخيراتها الطبيعية كما تستهدف ثقافتها وقيمها. كان الحديث عن المؤامرة فيما قبل من
باب الشماعة التي نعلق عليها فشلنا وكانت كل محاولة لطلب التغيير بجميع الطرق
مسدودة بنظرية المؤامرة التي أحسن الحكام المستبدون توظيفها فأعدموا ونفوا وعذبوا كل
داع للحرية... واستأثروا بالسلطة والثروة، كل ذلك بمباركة الغرب
"الأخلاقي" التي قدم شهادة حسن سيرة لهذه الأنظمة المتهالكة مادامت تقوم
بدور البواب على المزارع والمصانع وحقول النفط التي يغذي حضارة الإنسان الأبيض.
المؤامرة على
سوريا من نوع آخر لأن هذا البلد أبى الخنوع للمشروع الصهيوأمريكي الأعرابي .
المؤامرة كانت واضحة ومكشوفة للإيقاع بهذا البلد ليؤدي ثمن وقوفه بجانب المقاومة
وقضايا الأمة العربية وتمرده على السيد الأمريكي. كان اغتيال رئيس الوزراء رفيق
الحريري مؤامرة دولية لابتزاز سوريا وجرها إلى المحكمة الدولية وبعد ذلك تقويض
الحكم فيها. هذا الحكم الذي كان الشوكة الأخيرة في حلق أصحاب المشروع المذكور لذلك
وجب إزالتها مهما كلف ذلك من ثمن . فكان
مما ليس منه بد.
4-
الثورة (خليهم يتسلو- خلفو عيرهم)
الوضع مناسب لكي
ينفجر بدأت الشرارة الأولى من تونس الذي فهم حاكمها متأخرا أن شعبه يحتاج الحرية
والكرامة قبل الخبز ومع الخبز. تم تلتها مصر التي أصبح فيها كل شيء عبثيا، فانتخابات
مجلس الشعب الأخيرة في عهد مبارك كانت السبب المباشر في الشعور بالقهر وبالاستخفاف
وكانت مقولة "خليهم يتسلوا" إمعانا في الإذلال وبالتالي القيام
بالثورة. وانتقلت الشرارة إلى اليمن والبحرين وليبيا والمغرب والجزائر وموريتانيا والسعودية. كان التعامل الدولي السياسي
والإعلامي مختلفا باختلاف ولاء تلك الدول للغرب فتم تضخيم الثورة بلدان وتم
تحجيمها في أخرى. ففي ليبيا تم تبني الحراك الشعبي أمميا لأسباب نعرفها جميعا
فتدخل الغرب مدعوما بقوات وأموال عربية لإسقاط ملك ملوك إفريقيا صاحب مقولة "
من أنتم" . تغاضى العالم عن ثورة
البحرين. في سوريا كما في البلدان الأخرى كانت شروط الثورة قائمة ظلم واستبداد
واستغلال لنظرية المؤامرة للتضييق على المعارضين. يحكي بعض الصحفيين أن أصل قصة
الثورة السورية أن بعض الشباب في درعا تعاركوا فتم القبض عليهم من طرف قوات تابعة لأحد
كبار العسكريين. وعندما ذهب شيوخ القبائل لمحاولة استردادهم. أجابهم القائد
العسكري بكل صلف "خلفوا غيرهم". بما يعنى أن أولادهم فى حكم
الموتى. فكان هذا الرد بمثابة لطمة قاسية لهؤلاء الشيوخ. فحيث الموت يوزع بالمجان
وفي غياب أي قانون إلا قانون القائد العسكري كان لابد من طلب الموت ثمنا للحرية.
فقامت الثورة في سوريا ويا ليتها ما قامت لأن خيوط المؤامرة التي حيكت من قبل وجدت
لها الشروط المواتية لتلقي شباكها على الجميع الحاكم المستبد / الممانع والشعب
المقهور المذبوح. إن سوريا تؤدي الثمن مضاعفا: ثمن الظلم والاستبداد الذي ورثه
الولد عن أبيه وثمن الممانعة ودعم المقاومة وهذا أفدح من ذاك. وها هي سوريا اليوم
تدمر بشكل منهجي من طرف عصابات ومرتزقة من الداخل والخارج. وها هو الشعب السوري
يذبح بعضه بعضا ويأكل بعضه قلوب بعض في مشاهد غريبة ورهيبة ومرعبة. رأس الفتنة
الطائفية يطل بدون حياء، بعد أن كان خجلا وجلا، ليس فقط على سوريا وإنما على
المنطقة ككل وبالتالي تحقيق "نظرية الفوضى الخلاقة" لتكتمل الصورة.
5-
على سبيل الختم (المؤامرة على
الثورة)
طلب التغيير حاجة
ملحة للشعوب العربية لكن الضريبة فادحة كما كان الصمت على الظلم أفدح، لهذا نعتقد
أن هناك مؤامرة على الثورة بما يعيد الأمور إلى نصابها كما يريدها حكام العشائر
العربية وسادتهم الصهاينة والأمريكان ويحقق للغرب استمرار التفوق على المدى القريب
والمتوسط. مرت الثورة في مصر وتونس واليمن بأقل الخسائر بل ضرب بها المثل في
السلمية والتعبئة الشعبية الحضارية، هذه الصورة الجديدة عن العربي كان لابد من
إرجاعها إلى أصلها في التصور الغربي وهذا ما حدث فعلا في المؤامرة على الثورة
السورية الإنسان العربي الذي يعشق القتل والذبح وقطع الرؤوس وشق الصدور لاستخراج
القلوب البشرية وأكلها تحت صيحات التكبير والتهليل كل ذلك بالصوت والصورة ليرى
العالم بعينه ويسمع بأذنه. وليكتمل المشهد الدرامي البئيس: شعوب لا تستحق ثورتها
لأنها غارقة في الوحشية والبربرية . إنها المؤامرة !