السريالية
الحركة السريالية
نشأت المدرسة السيريالية الفنية في فرنسا، وازدهرت في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، ركزت على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري. وكلمة السريالية لا تدل على مدرسة فنية إلا أن أندريه بريتون هو أعطاها اسم مدرسة عندما اعطاها المعاني المرتبطة بالأحلام الغربية و عالم اللاشعور و التمرد . أما المعنى الأخير لها شيء غريب او غير عادي و أول مرة ظهرت فيها السريالية عام 1917 . عندما قامت الحرب العالمية الأولى أثرت الفوضى التي عمت البلاد في المجتمعات الإنسانية وانفعلت طائفة من الفنانين تبحث عن الشهرة بالأهوال والمآسي فضربوا بالقيم الجمالية التي ورثوها الفنان عن أجدادهم عرض الحائط وأخرجوا أعمالا شاذة تحارب الفن عرفت باسم - الدادا- واختتمت هذه الحركات المتعددة بحركتي السريالية والتجريدية وتهدف الأولى إلى الغوص في أعمال اللاشعور على حين تسعى الثانية إلى البحث في جمال الأشكال اللاموضوعية والهندسية.
لقد تباينت الآراء حول السريالية . حيث تم إعطاء تحديد دقيق لما هو / سريالي / و ذلك لان نقاد الفن قد انقسموا حول هذا التحديد . كما اختلفوا حول تقديم رأي نقدي في السريالية و خصوصاً ان الفنانين السرياليين قد تباينوا كثيراً و بالتالي يصعب تقويم هذه الحركة و الحكم عليها طالما ان الفنانين الذين انتموا الى هذه المدرسة قد قدموا لنا المواقف الفنية و نقيضها . أقصى الواقعية .التي تتشابك مع أقصى التجريد . و المواقف اللامبالية اللاملتزمة تجاه الاحداث الاجتماعية و السياسية . و في نفس الوقت اقصى اشكال الالتزام و اكثرها ترابطاً . و لهذه يبدو لنا ان الحكم على / السريالية / صعب طالما اننا نرى في ثنايا هذه المدرسة بعض التجارب الفنية التي تحمل لنا المواقف الانسانية و التي تتمتع بحس عال . و في الوقت نفسه ايضاً نرى المواقف الانتهازية و اللامبالاه التي سخرت في كثير من الاحيان لخدمة الاغراض البعيدة عن خدمة الانسان و الكفاح من أجل حياة أفضل .
ان الدراسة السريالية في الفن التشكيلي تنقسم الى اتجاهين متباينين احداهما يلح على التعبير التلقائي الذي يقدمه الفنان في لحظة من اللحظات هي بين النوم و اليقظة و, هي ما اسموها بالسرنمة او الرسم اثناء النوم و التعبير بحركات تجريدية عن اعماق الذات للوصول الى السر العميق و اللاشعور و الى ما هو مدفون في ظلمات اعماق الذات , وهكذا اختلطت تجارب السرياليين التلقائيين بالحركات التجريدية و التعبيرية . و استعارات الكثير من مفرداتهم و اساليبهم الفنية و بذلك نكون قد وصلنا الى اقصى التجريد العشوائي الذي يعكس طريقة في التعبير اكثر مما يعكس شيئاً محدداً يعبر عنه .
لان هؤلاء لايولون اهمية كبيرة للموضوع بقدر ما يؤكدون على ان الفن السريالي هو الفن الاصيل لانه يعكس التعبير في غياب الوعي و الضوابط الخارجية و هذا تطبيق شبه حرفي لما كان يدعو اليه / اندريه بريتون / حين تحدث عن تعريف السريالية في البيان السريالي الاول . و قد اتجه آخرون الى الواقعية , بل الى ذروة الواقعية الطبيعية في التعبير الفني.
ليقدموا لنا المعادل الفني للحلم . وعالم الطفولة والغرابة التي ارتكزت كلها على مفهوم اساسي وهو ان الوصول الى ما هو سر يالي يتجلى عن طريق اعادة تنظيم الواقع بعناصر واقعية . لكن العناصر قد نظمت بطريقة اخرى جديدة .
لهذا فهي تصدم او تقدم ما يدهش او تعيد العالم لنراه على شكل يتضمن علاقات غير مألوفة . عن واقع المرئي او المنظور . وهكذا يمكن ان نصل الى اللامعقول عن طريق تبديل في اسلوبه لكنه سريالي في طريقة تنظيم الاشياء واقامة العلاقات بينها. - ان التجارب السريالية موحدة الاسلوب بقدر ما نرى اختلاف الاسلوب من فنان لآخر لكن توجد لديهم رؤية مشتركة تستخدم اي اسلوب وهذه الرؤية تهدف الى اعادة فهم الواقع وتبديل رؤية الناس له وتقديم الغرابة فيه والوصول لعوالم سوداء مخيفة خلف المظاهر البراقة .
لقد استفاد بعض السرياليين من تجارب بعضهم حيث أخذ القسم منهم يتطرق للحياة الاجتماعية والأسطورة الشعبية وتمردوا على الفن التقليدي وفيها الرؤى الحالمة والسحرية وجميعها قد وظفت لخدمة الانسان .
ولهذا نرى أنه على كل من يبحث في السريالية ,أن يكون حذراً لكثير من التجارب وأن يدرك أهمية التمرد في هذه الحركة .وأن يحكم بوعي تام على كل موقف لأي فنان حسب المعطيات التي تقدمها تجربته .وهكذا لايمكن للمظاهر أن تخدع أي شخص .إذا كان واعياً يدرس كل شيء وفق موقف أساسي وهو أن يكون الفن في خدمة الفن في خدمة الانسان ,الإنسان بمعناه الشامل المسؤول .
- إن من الصعوبة بمكان أن نبسط السريالية في الفن , ولكن لابد لنا من تمييز اتجاهين رئيسيين فيها متباينين من الزاوية الشكلية المحضة .
هناك مجموعة من المصورين الذين اعتمدوا الكتابة والحركة . وجعلوها من الأمور الاساسية بغض النظر عن الموضوع الذي يعالجونه في أعمالهم الفنية من أمثال ميرو وماتا وجاك هيرولد وغيرهم الذين ينتمون الى اتجاه واحد وفي الجانب الآخر نجد الاتجاه المعاكس لهؤلاء والذين أطلق عليهم »الاتجاه الوصفي« وروادهذا الاتجاه تأثروا بالفن الايطالي أمثال سلفادور دالي و رينيه ماغريت وبول دلفو وتوين وغيرهم كثيرين .
- إن التلقائية أو التعبير عن الفكر في غياب سيطرة العقل .تقدم لنا الصدفة وابتعاد العقل الناقد ونحن نعلم بأن السريالية قد وضعت آمالها في التقنية التي تعتمد التلقائية في التعبير أي التقنية التلقائية وهذه التلقائية تتضمن عدة أساليب لعل أبسطها هو الرسم السريع الذي يماثل التحدث السريع للانسان و الذي هو شكل من أشكال التعبير المباشر عما تحت الشعور و هذه التقنية تحتاج الى حالة غير مألوفة او غير عادية من الانفعال قدمه اندريه ماسون في أعماله .
اما الاتجاه الثاني للتلقائية فهو ذوطبيعة آلية ميكانيكية مثل اللصقات على اللوحات التي تساعد الفنانين مثل ماكس ارنست على تقديم لوحات مختلفة العمق و الاختلاف و عملية نقل الصور التي قدمها الفنان أوسكار دومنكر و اوصلها ماكس ارنست الى درجة عالية من الاتقان .
كخلاصة نقول إن السريالية ظهرت لاول مرة عام 1917 و استخدمها اندريه بريتون حين اعطاها بعض المعاني و القواعد و شاركه في ذلك أراكون و ايلوار، و ان الهدف الاساسي ان تقدم الفكر المحض المتحرر من كل الضوابط التي يقدمها العقل و الاخلاق او القيم الاجتماعية السائدة . و أن اهمية السريالية لم تعد ترتبط بالكتابات بل أصبحت مرتبطة بالفنانين التشكيليين من أمثال ماكس ارنست و ميرو و ماسون و تانجي و ماكريت و دالي و هم الذين اعطوه شهرة عالمية للسريالية.