من هو طه عبد الرحمن ؟ الجزء الأول
الدكتور طه عبد الرحمن
الدكتور طه عبد الرحمن (م 1944) مفكر مغربي متخصص في المنطق واللسانيات، يؤمن بتعدد الحداثات ويسعى لتأسيس حداثة أخلاقية إنسانية انطلاقا من قيم ومبادئ الدين الإسلامي.
نبذة عن حياته
ولد في مدينة الجديدة بالمغرب عام 1944، وبها درس دراسته الابتدائية، ثم تابع دراسته الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم بجامعة محمد الخامس بالرباط حيث نال إجازة في الفلسفة، واستكمل دراسته بفرنسا بجامعة السوربون، حيث حصل منها على إجازة ثانية في الفلسفة ودكتوراه السلك الثالث عام 1972 برسالة في موضوع "اللغة والفلسفة : رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود"، ثم دكتوراه الدولة عام 1985 عن أطروحته "رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه". درَّس المنطق في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ بداية السبعينيات. حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006.
و هو أستاذ زائر بعدة جامعات مغربية، ورئيس " منتدى الحكمة للباحثين والمفكرين" الذي تأسس في المغرب بتاريخ 9 مارس 2002 .
مشروعه الفلسفي
يمكن القول بأن المشروع الفلسفي للدكتور طه عبد الرحمن ينقسم، منطقيا وليس مرحليا، إلى عناصر ثلاث. أولا، فك الارتباط والتماهي بين الفلسفة عموما، ومفهوم الحداثة خصوصا، وبين الفكر الغربي. وبذلك يصبح ممكنا أن تقوم لكل ثقافة فلسفة خاصة، وفكر حداثي خاص، مميز لها. ثانيا، إعادة الارتباط بين الأخلاق باعتبارها عمل وليس نظر وبين الفلسفة النظرية، عموما، ومفهوم الحداثة خصوصا. وبذلك يصبح الفكر النظري والعمل الأخلاقي وجهان لعملة واحدة. ثالثا، تأسيس مفهوم العمل الأخلاقي على مبادئ وقيم الدين الإسلامي وعلى قراءة معاصرة للقرآن الكريم. وذلك باعتبار الدين الإسلامي رسالة إنسانية في المقام الأول.
وقد ترتب على هذا التصور معارضته للفكر الغربي الحديث على أساس استبعاده للأخلاق بالمعنى العملي، ومعارضته للفكر الإسلامي القديم والحديث على أساس النقص في التنظير لهذا المبدأ الأخلاقي. وبالتالي أصبح من الضروري إنشاء نسق "حداثي - أخلاقي" جديد يكمل النقص في الجانبين، وهو ما يمثل مضمون محاولته.
يطرح الدكتور طه عبد الرحمن مبدأ تعدد الحداثة، الذي يمثل العنصر الأول في مشروعه، كما يلي،
ما نشاهده في واقعنا هو نقل للحداثة الموجودة في واقع الحداثة الغربية هذا النقل ليس فيه ابتكار ولا جمال.. كيف نتصرف مع هذا الواقع، كيف نصبح لا ناقلين للحداثة بل مبدعين لها؟ في نظري يجب التفريق بين واقع الأشياء وبين روح الأشياء.. ما معنى الروح؟ هي مجموعة القيم ومجموعة المبادئ التي يكون هذا الواقع تجسيداً لها وتطبيقاً لها؛ بمعنى أنه ينبغي أن نبحث عن الحداثة كقيم لا عن الحداثة كواقع، هذا الواقع موجود لا ننكره ونتصل به ونقلده وننقل عنه وما إلى ذلك ولكن ليس هذا الواقع هو الذي سيدخلنا إلى الحداثة؛ فإذا لابد أن نبحث عن هذه المبادئ وهذه القيم التي يعد الواقع تحقيقاً لها. (حوار قناة الجزيرة، الجزء السادس)
وتأكيدا لهذا التعدد في فهم الحداثة، ينقد الدكتور طه الحضارة الغربية الحديثة، ويسميها حضارة القول على أساس لا أخلاقيتها كما يلي،
وعلى الجملة، فإن ما أنتجته حضارة القول هو مضار ثلاث أصابت الإنسان في كيانه الخلقي: مضرة التضييق التي جعلت الفعل الخلقي فعلا محدودا ومضرة التجميد التي جعلته فعلا مقطوعا ومضرة التنقيص التي جعلته فعلا منبوذا؛ وعلى هذا، يكون "الحد" و"القطع" و"النبذ" هو نصيب الفعل الخلقي من حضارة القول، وفي هذا منتهى ظلم الإنسان متى عرفنا أن الحقيقة الإنسانية لا تتحدد إلا بالأخلاق؛ لذا يتعين العمل على دفع هذا الظلم عن الإنسان حتى تعود إليه هويته. (سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، ص 79 – 80)
كما يشير إلى النقص في "التنظير" في الفكر الإسلامي الحديث كما يلي،
اعلم أن "اليقظة الدينية" التي دخل فيها العالم الإسلامي في العقدين الأخيرين، أثارت عند الأنصار والخصوم من المواقف المتفاوتة والمتباينة ما قد لا تؤمن عواقبه إن لم يكثر به التلبيس وتقع به الفتنة. واعلم أيضا أن هذه "اليقظة العقدية"، على انتشارها في الآفاق وتأثيرها في النفوس، تفتقر إلى سند فكري محرر على شروط المناهج العقلية والمعايير العلمية المستجدة، فلا نكاد نظفر عند أهلها لا بتأطير منهجي محكم، ولا بتنظير علمي منتج، ولا بتبصير فلسفي مؤسس. (العمل الديني وتجديد العقل، ص 9)
في ظل هذا النقد المزدوج يجد الدكتور طه نقطة البدء في إدراك أن للمنطق، بالمعنى الغربي الحديث، حدود، وأن الطريق هو البحث فيما وراء حدود المنطق،
لما تم اختصاصي في المنطقيات والعقليات تبين لي حدود هذه المنطقيات... وأن تكويني الفلسفي يحتم عليّ أن أطلب الحقيقة ولو من وراء الحدود وأن الفلسفة تقتضي سبر الأغوار.. فكل ذلك جعلني أطلب طريقا آخر لتبين ما وراء حدود المنطق، فكنت على يقين على أن لغة هذا المستوى لا يمكن أن تكون لغة العبارة، لأن العبارة هي لغة العقل المحدود الذي ظهرت لي حدوده وقيوده، فلابد أن تكون لغة إشارة، فلابد أن تكون هذه اللغة لغة إشارة وإشارة أصيلة ومجاز بليغ حتى يمكن أن ننفذ إلى ما وراء حدود العقل،. (حوار – قناة الجزيرة - الجزء الأول)
وما هو وراء حدود المنطق هو القيم والأخلاق الدينية، وهذه نجدها في صورتها الأكمل في الدين الإسلامي باعتباره دعوة عالمية. (حوار – قناة الجزيرة - الجزء الرابع). والهدف النهائي هو وضع نظرية أخلاقية إسلامية تفلح في مواجهة لا أخلاقية الحضارة الغربية،
ليس يخفى أننا كنا نسعى منذ صدور كتابنا: العمل الديني وتجديد العقل إلى الإسهام في تجديد الفكر الديني الإسلامي بما يؤهله لمواجهة التحديات الفكرية التي ما فتئت الحضارة الحديثة تتمخض عنها، بل كنا نسعى، على وجه الخصوص، إلى وضع نظرية أخلاقية إسلامية مستمدة من صميم هذا الفكر، نظرية تفلح في التصدي للتحديات الأخلاقية لهذه الحضارة بما لم تفلح به نظائرها من النظريات الأخلاقية غير الإسلامية أو غير الدينية. (سؤال الأخلاق، ص 171)
منهجه
يعتمد الدكتور طه عبد الرحمن بشكل أساسي على المنطق الصوري في معالجة الموضوع، وهذا بطبيعة الحال نتيجة لكونه أحد كبار المناطقة في الفكر العربي المعاصر. لذلك نجد أن معالجته تعتمد أولا، على معالجة مشكلة المصطلحات، ثم على التقسيم المنطقي للموضوع، ثم على الاستدلال المنطقي لإثبات القضايا محل البحث. ولكنه في نفس الوقت، باعتبار تخصصه أيضا، يعلم ما وصل إليه الفكر المعاصر من حدود للمنطق وللرياضيات وفلسفة العلم، كما يعلم ما وصل إليه هذا الفكر من تجاوز لمفهوم الفصل الكامل بين الذات والموضوع، الذي يمثل المسلمة الضمنية الأساسية في المنطق الصوري التقليدي.
لذلك يمكن تقسيم منهجيته إلى، أولا معالجة مشكلة المصطلحات، ثم قضية حدود المعرفة، ثم قضية الفصل بين الذات والموضوع.
ضرورة نحت مصطلحات جديدة
يطرح الدكتور طه عبد الرحمن مشكلة المصطلحات في الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة كما يلي،
اننا جرينا على عادتنا في استخدام المفاهيم المتداولة في الممارسة الإسلامية العربية حيث يستخدم غيرنا مفاهيم تحذو حذو المنقول الفلسفي الغربي حذو النعل بالنعل... الأمر الذي أدى إلى قيام ازدواجية في الفكر الإسلامي العربي لم تورث أهله إلى حد الآن إلا الجمود على ما نقلوه، فحرموا أيما حرمان من ممارستهم حقهم في الإبداع الفلسفي المختلف. (سؤال الأخلاق، ص 30)
لذلك يصبح ضروريا الاعتماد على مصطلحات نابعة من ثقافتنا وإنشاء ما يلزم من مصطلحات،
أنا كتبت كتابا اسمه "فقه الفلسفة" والجزء الأول فيه المفهوم الفلسفي، المفاهيم هي المدخل للمعرفة ومدخل إلى ضبط السلوك المعرفي للإنسان فنحن نحتاج حقا إلى إعادة النظر في كل المفاهيم التي نتلقاها، لأننا –كما قلت- نستخدمها بوجوهها الأصلية في حين أن واقعنا لا يطابق هذه الوجوه، فلذلك ينبغي إعادة النظر، (حوار دار الحكمة)
وتطبيقا لذلك يقوم الدكتور طه بنحت المصطلحات باعتبار ذلك أمرا ضروريا لتحقيق مشروعه. فعلى سبيل المثال يطرح مصطلحات "العقل المجرد" و"العقل المسدد" و"العقل المؤيد" للتعبير عن ثلاث درجات أساسية للعقلانية.
الفصل بين الذات والموضوع
يبني الدكتور طه ربطه بين الأخلاق وبين الفكر المجرد على أساس سقوط مفهوم الفصل التام بين الذات والموضوع، وبالتالي يصبح منهجه متضمنا باستمرار نوع من الوصل بينهما. ويثبت هذه القضية كما يلي،
إن الخبر في الدين لا ينفك عن القيمة الأخلاقية... والفصل القاطع بين الخبر والقيمة لا يمكن التسليم به، وذلك لثبوت الحقيقتين الآتيتين:
أولاهما، أن الفصل بين الخبر والقيمة في عموم المعرفة، إن لم يكن قد حسم الأمر فيه بالبطلان، فلا أقل من أنه موضع أخذ ورد، وأنصار الرد فيه أكثر من أنصار الأخذ، ذلك أن كثيرا من التفرقات التي كانت مسلمة عند الجمهور قد صار مشكوكا فيها عند فقهاء العلم المعاصرين، نحو "التفرقة بين الواقعة والنظرية" و"التفرقة بين الملاحظة والنظرية" و"التفرقة بين التعريف والنظرية" و"التفرقة بين التحليل والتركيب" و"التفرقة بين الواقعي والمثالي" و"التفرقة بين الواقعي والاعتقادي" و"التفرقة بين الصوري والتجريبي"؛ وقد كانت "التفرقة بين الواقعة والقيمة" أكثرها استقطابا لأنظار الفلاسفة ومثارا لجدل عميق وخصيب بينهم ليس هذا موضع تفصيله. (سؤال الأخلاق، ص 47)
المنهج العقلي العلمي
والنتيجة المباشرة لاعتماد منهج عدم الفصل التام بين الذات والموضوع هي معارضة المنهج العقلي العلمي السائد الذي يعتمد على هذا الفصل، وبالتالي يصبح للبعد الأخلاقي للإنسان مكانا أساسيا في المنهج العقلي العلمي. ويطرح الدكتور طه موقفه هذا كما يلي،
لقد قام النمط المعرفي الغربي الحديث منذ نشأته في مطلع القرن السابع عشر على أصلين اثنين يقضيان بقطع الصلة بصنفين من الاعتبارات التي يأخذ بها كل متدين. أما الأصل الأول، فيمكن أن نصوغه كما يلي: "لا أخلاق في العلم"... وأما الأصل الثاني، فيمكن أن نصوغه كما يلي: "لا غيب في العقل". (سؤال الأخلاق، ص 92)
ولذلك يصبح بالإمكان الاعتماد على منهج علمي آخر لا يعتمد على هذا الفصل،
تبين أنه يبقى في الإمكان سلوك منهج علمي آخر يولد ضربا من ضروب العقل لا يكون بأوصاف العقل المجرد، أو قل أن ابتكار منهج مغاير للمنهج العقلي العلمي المتداول في العلوم النظرية السائدة حاليا، منهج لا يقل عقلانية وعلمية عن منهج هذه العلوم، هو حقيقة يجب التسليم بها.ٍ (العمل الديني وتجديد العقل، ص 21)
فلسفته
ترتكز محاولة الدكتور طه عبد الرحمن لتحقيق هذا المشروع الفلسفي على طرح تصور معين لمفهوم "العقل" و"العقلانية" يؤدي بشكل تلقائي إلى إمكانية تحقيق المشروع. وبناء على هذا المفهوم المركزي يصبح ممكنا نقد الحداثة الغربية، ونقد الفكر الإسلامي القديم والحديث، ونقل (أي ترجمة) الفكر الغربي الحديث بصورة صحيحة، وقراءة (أي فهم) التراث الإسلامي قراءة صحيحة، وأخيرا تقديم التصور الأخلاقي الصحيح اللازم لمعالجة مشكلات الحداثة الغربية وتأسيس الحداثة الإسلامية البديلة.