معايير علمية النظرية
المحور الثالث: معايير علمية النظرية
بتطور المعرفة العلمية وما رافق هذا التطور من تجاوز النظريات العلمية لبعضها البعض عَبْر مراجعتها ونقدها والانقلاب عليها
أحيانا -كما يرى طوماس كوهن-، حيث ظل العلم مختلطا بأمور غير علمية، تيَسر طرح السؤال التالي: كيف نتحقق من سلامة النظرية العلمية؟ أو قلْ: كيف يتم البث في صدقية النظرية العلمية؟ وما الفرق بين نظرية علمية ونظرية غير علمية؟
أحيانا -كما يرى طوماس كوهن-، حيث ظل العلم مختلطا بأمور غير علمية، تيَسر طرح السؤال التالي: كيف نتحقق من سلامة النظرية العلمية؟ أو قلْ: كيف يتم البث في صدقية النظرية العلمية؟ وما الفرق بين نظرية علمية ونظرية غير علمية؟
1- الموقف التجربي (فرنسيس بيكون، كلود برنار، روني توم، بيير دوهيم...): معيار التحقق التجريبي
يتحدد معيار التحقق من صِدقية النظرية العلمية في نظر المدرسة التجريبية في قابليتها للتحقق التجريبي، مادامت النظرية أصلا هي صورة ناسخة لموضوعات الواقع التجريبي، حيث التجربة هي منبع النظرية ومِحكها ووسيلة بيان صدقها مِن كذبها، ولا يصح نعث معرفة ما بصفة "العلمية" ما لم تخضع للفحص التجريبي، وكل تجاوز لهذا الشرط فهو خروج من العلم وارتماء في أحضان الأسطورة والمعرفة الخيالية والمثالية المجردة...
2- موقف أينشتاين: معيار العقل أو التماسك المنطقي
يؤكد أينشتاين أن النظريات العلمية المعاصرة فرضت عِلميتها بمعيار العقل والتماسك المنطقي، إذ العقل وحده كافٍ في التحقق من صدقية النظريات التي يستعصي عرضها على الاختبار التجريبي، فهو الذي يمنح النسَق العلمي بِنيَته. وحُجة اينشتاين هي أن المفاهيم والمبادئ التي يتكون منها النسق النظري للعلم (فيزياء، رياضيات، منطق...) هي إبداعات حرة للعقل الرياضي المجرد، وهي التي تشكل الجزء الأساس من النظرية العلمية، لتبقى التجربة بمثابة مرشد في وضع بعض الفرضيات وفي تطبيقها تجريبيا. يقول صاحب نظرية النسبية: "لا يمكن استنتاج القاعدة الأكسيومية للفيزياء النظرية انطلاقا من التجربة، إذ يجب أن تكون إبداعا حرا". أي بإمكان الفيزياء المعاصرة أن تستغني عن التجربة.
3- موقف كارل بوبر: معيار القابلية للتكذيب
أسهم الفيلسوف النمساوي كارل بوبر سليل مدرسة فيينا، في قلب الطاولة على الوضعيين، حيث لا تستحق في نظره النظرية صفة العلمية بمجرد خضوعها للتجربة، وإنما بقابليتها للتزييف، أي أن العالِم ملزم بتقديم الاحتمالات الممكنة لتكذيب نظريته وإبراز إمكانات هدمها وتجاوزها لأنها لا توجد نظرية علمية مطلقة، بعبارة أخرى لا تكون النظرية علمية إلا إذا كانت فروضها قابلة للتفنيد والدحض، وإلا فإن "النظرية التي لا تتوخى اكتشاف العيب فيها هي نظرية غير قابلة للاختبار العلمي، يقول كارل بوبر: "لا يعتبر أي نسق نظري نسقا اختباريا إلا إذا كان قابلا للخضوع للاختبارات التجريبية ... إن قابلية التزييف وليست قابلية التحقق هي التي ينبغي أن نتخذها معيارا للفصل بين ما هو علمي و ما ليس علميا". فاختبار النظرية العلمية فيُشبهه "كارل بوبر" بـ"اختبار جزء من آلة ميكانيكية، بمحاولة تبيُّن العيب فيها" وذلك عبر المراحل الأربع التالية:
1) مرحلة التحقق من السلامة الداخلية للنسق النظري .2) مرحلة تحديد الصُّورة المنطقية للنظرية وبيان ما إذا كانت تجريبية أو غير تجريبية .
3) مرحلة المقارنة بين النظرية المدروسة وباقي النظريات العلمية حتى نعرف بأنها نظرية جديدة.
4) مرحلة القيام بتطبيقات تجريبية على بعض نتائج تلك النظرية.
مساهمة من الأستاذ أحمد الفراك