مفهوم التاريخ : المحور الأول : المعرفة التاريخية
يمكنك مشاهدة الفيديو كشرح مبسط من خلال أمثلة
أو متابعة القراءة
يحدد هنري مارو التاريخ باعتباره "
المعرفة بالماضي الإنساني، المعرفة بالإنسان من قديم الزمان عن طريق إنسان اليوم،
إنسان الغد الذي هو المؤرخ" فكيف يستطيع إنسان الحاضر دراسة إنسان الماضي؟ ألا تعتبر
المسافة الزمنية عائقا أمام الفهم؟ وما هي صعوبات بناء المعرفة التاريخية؟
لقد تشكلت
في التاريخ مجموعة اتجاهات ومدارس هاجسها جعل التاريخ علما كباقي العلوم الحقة. من
أهم هذه المدارس الوضعانية أو ما يسمى بالوثائقية التي اعتبرت الوثائق مادة الملاحظة
والتجريب لإعادة بناء الأحداث التاريخية بدقة وموضوعية. تتمثل الوثائق في السجلات
والأرشيف والمعاهدات والمراسلات والنقود وغيرها.. ومهمة المؤرخ جمع تلك الوثائق
باعتبارها آثارا دالة على الحدث الذي ينبغي على المؤرخ إعادة بنائه بتسلسل وقائعه.
هذا السعي لجعل التاريخ علما هو ما يؤكده الفيلسوف الفرنسي ريكور مبينا أن فهم الماضي يشترط اتباع منهج علمي دقيق يحقق
الدراسة الموضوعية للظاهرة التاريخية. فيرى أن الخطوة الأولى تتمثل في ملاحظة
الأثر التاريخي ملاحظة ناقدة تطرح السؤال على الأثر محاولة استنطاقه للإجابة عن
سؤال المؤرخ. أما الفرضية فتتمثل في افتراض معنى وإعطاء دلالة لتلك الوثيقة بما
يجيب عن السؤال المطروح آنفا. في حين تتمثل التجربة في محاولة إعادة بناء الواقعة
وإخضاعها للنقد.إذ لا يكون التاريخ علما إلا بوصفه نقدا وتفسيرا وتحقيقا للأثر
التاريخي في منطقه وموقعه من الحادثة التاريخية. على أن ما يسعى إليه العالم هو
الوصول إلى نتيجة تتيح له التعميم وصياغة قانون يربط الأسباب بالنتائج ربطا ضروريا
وهو ما يسمى بالحتمية.
بهذا يصبح
التاريخ علما، وتصبح الواقعة التاريخية مثلها مثل الوقائع العلمية يمكن إخضاعها
لخطوات المنهج العلمي. لكن إلى أي حد يستطيع المؤرخ
دراسة الوقائع الماضية وإعادة تركيبها وفهمها انطلاقا من الحاضر. ألا يشكل التباعد
الزماني عائقا أما عملية الفهم؟
يركز
الفيلسوف الفرنسي أرون
على عائق المسافة الزمنية في تحدديه للمعرفة التاريخية حيث يعتبرها "إعادة
بناء ما كان موجودا ولم يعد، انطلاقا مما بقي كأثر". وهي بذلك تنفصل عن
تجربتنا في الزمان والمكان. فتجربتنا خاصة وحاضرة، ويمكننا أن نعرفها معرفة
تلقائية لأنها تتعلق بالعالم الذي يحيط بنا. أما عندما يتعلق الأمر بعالم الذين
عاشوا قبلنا، فإن تلك المعرفة ستكون صعبة ونسبية، لأنها تتطلب إعادة بناء عالم
الماضي كما كان، وهو مطلب يحتاج جهدا وحذرا منهجيا مضاعفا نتيجة التباعد بين
الحاضر والماضي. إذ أن المؤرخ سيبني الواقعة من خلال قيم زمانه ورؤيته الخاصة
للحدث. وهو ما يضع الموضوعية موضع تساؤل. وفي هذا الصدد يمكن القول إن توخي
الموضوعية، كشرط جوهري في المعرفة العلمية، قد يشكل عائقا أمام فهم الحدث التاريخي،
لأن ذلك يفترض فصل الذات عن الموضوع، وهو ما لا يمكن في العلوم الإنسانية عموما، وفي
التاريخ خصوصا، فعملية الفهم تقتضي تدخل الذات في عملية التفسير والتأويل وترتيب
وتركيب الحوادث، كما أنه لا يمكن للمؤرخ القيام بعملية تعميم، أي أن ينطلق من
واقعة خاصة ليصدر من خلالها أحكاما عامة تنطبق على جميع الوقائع. لكن ما يضفي قيمة
على المعرفة التاريخية هو ما يسميه ريكور النقد المستمر.
تبين من خلال إثارة إشكالية المعرفة التاريخية أنها ليست معرفة جاهزة تتمثل
في مجرد سرد للوقائع، وإنما هي معرفة تبني الأحداث انطلاقا من عمل منهجي يتوخى
العلمية، إلا أن صعوبات تعترضها، تتمثل في تداخل الذات والموضوع من جهة، وتباعد المسافة
بين الماضي والحاضر، من جهة أخرى، إضافة إلى صعوبة التعميم. ما يحول دون الاتفاق
حول نتائج مشتركة، ويجعل بالتالي المعرفة التاريخية نسبية واحتمالية
وخاصة... وهذا يفرض على المؤرخ ابتكار منهج خاص يناسب موضوع دراسته. لكن، في جميع
الأحوال، يظل الهدف من بناء الحدث التاريخي هو الوصول إلى الحقيقة والخروج بفكرة
ترقى إلى مستوى التعميم ومن تم استنباط قانون مفسر لمسار التاريخ، فهل يعني ذلك أن الأحداث التاريخية تسير وفق قانون ومنطق في
اتجاه محدد، أم أنها نتاج الصدفة والعبثية؟ وأي دور للإنسان في صناعة التاريخ؟
ذ.عبد الله مرشد
شاهد شرح مبسط من خلال أمثلة للمحور الثاني والثالث
---------