قصيدة ولد الهدى لأمير الشعراء أحمد شوقي
1
ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء
2
الروح والملأ الملائك حوله *** للدين والدنيا به بشراء
3
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي *** والمنتهى والسدرة العصماء
4
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا *** بالترجمان شذية غناء
5
والوحي يقطر سلسلا من سلسل *** واللوح والقلم البديع رواء
6
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة *** في اللوح واسم محمد طغراء
7
اسم الجلالة في بديع حروفه *** ألف هنالك واسم طه الباء
8
يا خير من جاء الوجود تحية *** من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا
9
بيت النبيين الذي لا يلتقي *** إلا الحنائف فيه والحنفاء
10
خير الأبوة حازهم لك آدم *** دون الأنام وأحرزت حواء
11
هم أدركوا عز النبوة وانتهت *** فيها إليك العزة القعساء
12
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها *** إن العظائم كفؤها العظماء
13
بك بشر الله السماء فزينت *** وتضوعت مسكا بك الغبراء
14
وبدا محياك الذي قسماته *** حق وغرته هدى وحياء
15
وعليه من نور النبوة رونق *** ومن الخليل وهديه سيماء
16
أثنى المسيح عليه خلف سمائه *** وتهللت واهتزت العذراء
17
يوم يتيه على الزمان صباحه *** ومساؤه بمحمد وضاء
18
الحق عالي الركن فيه مظفر *** في الملك لا يعلو عليه لواء
19
ذعرت عروش الظالمين فزلزلت *** وعلت على تيجانهم أصداء
20
والنار خاوية الجوانب حولهم *** خمدت ذوائبها وغاض الماء
21
والآي تترى والخوارق جمة *** جبريل رواح بها غداء
22
نعم اليتيم بدت مخايل فضله *** واليتم رزق بعضه وذكاء
23
في المهد يستسقى الحيا برجائه *** وبقصده تستدفع البأساء
24
بسوى الأمانة في الصبا والصدق لم *** يعرفه أهل الصدق والأمناء
25
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا *** منها وما يتعشق الكبراء
26
لو لم تقم دينا لقامت وحدها *** دينا تضيء بنوره الآناء
27
زانتك في الخلق العظيم شمائل *** يغرى بهن ويولع الكرماء
28
أما الجمال فأنت شمس سمائه *** وملاحة الصديق منك أياء
29
والحسن من كرم الوجوه وخيره *** ما أوتي القواد والزعماء
30
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لا تفعل الأنواء
31
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا *** لا يستهين بعفوك الجهلاء
32
وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء
33
وإذا غضبت فإنما هي غضبة *** في الحق لا ضغن ولا بغضاء
34
وإذا رضيت فذاك في مرضاته *** ورضا الكثير تحلم ورياء
35
وإذا خطبت فللمنابر هزة *** تعرو الندي وللقلوب بكاء
36
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما *** جاء الخصوم من السماء قضاء
37
وإذا حميت الماء لم يورد ولو *** أن القياصر والملوك ظماء
38
وإذا أجرت فأنت بيت الله لم *** يدخل عليه المستجير عداء
39
وإذا ملكت النفس قمت ببرها *** ولو ان ما ملكت يداك الشاء
40
وإذا بنيت فخير زوج عشرة *** وإذا ابتنيت فدونك الآباء
41
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسما *** في بردك الأصحاب والخلطاء
42
وإذا أخذت العهد أو أعطيته *** فجميع عهدك ذمة ووفاء
43
وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر *** وإذا جريت فإنك النكباء
44
وتمد حلمك للسفيه مداريا *** حتى يضيق بعرضك السفهاء
45
في كل نفس من سطاك مهابة *** ولكل نفس في نداك رجاء
46
والرأي لم ينض المهند دونه *** كالسيف لم تضرب به الآراء
47
يأيها الأمي حسبك رتبة *** في العلم أن دانت بك العلماء
48
الذكر آية ربك الكبرى التي *** فيها لباغي المعجزات غناء
49
صدر البيان له إذا التقت اللغى *** وتقدم البلغاء والفصحاء
50
نسخت به التوراة وهي وضيئة *** وتخلف الإنجيل وهو ذكاء
51
لما تمشى في الحجاز حكيمه *** فضت عكاظ به وقام حراء
52
أزرى بمنطق أهله وبيانهم *** وحي يقصر دونه البلغاء
53
حسدوا فقالوا شاعر أو ساحر *** ومن الحسود يكون الاستهزاء
54
قد نال بالهادي الكريم وبالهدى *** ما لم تنل من سؤدد سيناء
55
أمسى كأنك من جلالك أمة *** وكأنه من أنسه بيداء
56
يوحى إليك الفوز في ظلماته *** متتابعا تجلى به الظلماء
57
دين يشيد آية في آية *** لبناته السورات والأدواء
58
الحق فيه هو الأساس وكيف لا *** والله جل جلاله البناء
59
أما حديثك في العقول فمشرع *** والعلم والحكم الغوالي الماء
60
هو صبغة الفرقان نفحة قدسه *** والسين من سوراته والراء
61
جرت الفصاحة من ينابيع النهى *** من دوحه وتفجر الإنشاء
62
في بحره للسابحين به على *** أدب الحياة وعلمها إرساء
63
أتت الدهور على سلافته ولم *** تفن السلاف ولا سلا الندماء
64
بك يا ابن عبد الله قامت سمحة *** بالحق من ملل الهدى غراء
65
بنيت على التوحيد وهي حقيقة *** نادى بها سقراط والقدماء
66
وجد الزعاف من السموم لأجلها *** كالشهد ثم تتابع الشهداء
67
ومشى على وجه الزمان بنورها *** كهان وادي النيل والعرفاء
68
إيزيس ذات الملك حين توحدت *** أخذت قوام أمورها الأشياء
69
لما دعوت الناس لبى عاقل *** وأصم منك الجاهلين نداء
70
أبوا الخروج إليك من أوهامهم *** والناس في أوهامهم سجناء
71
ومن العقول جداول وجلامد *** ومن النفوس حرائر وإماء
72
داء الجماعة من أرسطاليس لم *** يوصف له حتى أتيت دواء
73
فرسمت بعدك للعباد حكومة *** لا سوقة فيها ولا أمراء
74
الله فوق الخلق فيها وحده *** والناس تحت لوائها أكفاء
75
والدين يسر والخلافة بيعة *** والأمر شورى والحقوق قضاء
76
الإشتراكيون أنت إمامهم *** لولا دعاوي القوم والغلواء
77
داويت متئدا وداووا ظفرة *** وأخف من بعض الدواء الداء
78
الحرب في حق لديك شريعة *** ومن السموم الناقعات دواء
79
والبر عندك ذمة وفريضة *** لا منة ممنونة وجباء
80
جاءت فوحدت الزكاة سبيله *** حتى التقى الكرماء والبخلاء
81
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى *** فالكل في حق الحياة سواء
82
فلو ان إنسانا تخير ملة *** ما اختار إلا دينك الفقراء
83
يأيها المسرى به شرفا إلى *** ما لا تنال الشمس والجوزاء
84
يتساءلون وأنت أطهر هيكل *** بالروح أم بالهيكل الإسراء
85
بهما سموت مطهرين كلاهما *** نور وريحانية وبهاء
86
فضل عليك لذي الجلال ومنة *** والله يفعل ما يرى ويشاء
87
تغشى الغيوب من العوالم كلما *** طويت سماء قلدتك سماء
88
في كل منطقة حواشي نورها *** نون وأنت النقطة الزهراء
89
أنت الجمال بها وأنت المجتلى *** والكف والمرآة والحسناء
90
الله هيأ من حظيرة قدسه *** نزلا لذاتك لم يجزه علاء
91
العرش تحتك سدة وقوائما *** ومناكب الروح الأمين وطاء
92
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم *** حاشا لغيرك موعد ولقاء
93
الخيل تأبى غير أحمد حاميا *** وبها إذا ذكر اسمه خيلاء
94
شيخ الفوارس يعلمون مكانه *** إن هيجت آسادها الهيجاء
95
وإذا تصدى للظبا فمهند *** أو للرماح فصعدة سمراء
96
وإذا رمى عن قوسه فيمينه *** قدر وما ترمى اليمين قضاء
97
من كل داعي الحق همة سيفه *** فلسيفه في الراسيات مضاء
98
ساقي الجريح ومطعم الأسرى ومن *** أمنت سنابك خيله الأشلاء
99
إن الشجاعة في الرجال غلاظة *** ما لم تزنها رأفة وسخاء
100
والحرب من شرف الشعوب فإن بغوا *** فالمجد مما يدعون براء
101
والحرب يبعثها القوي تجبرا *** وينوء تحت بلائها الضعفاء
102
كم من غزاة للرسول كريمة *** فيها رضى للحق أو إعلاء
103
كانت لجند الله فيها شدة *** في إثرها للعالمين رخاء
104
ضربوا الضلالة ضربة ذهبت بها *** فعلى الجهالة والضلال عفاء
105
دعموا على الحرب السلام وطالما *** حقنت دماء في الزمان دماء
106
الحق عرض الله كل أبية *** بين النفوس حمى له ووقار
107
هل كان حول محمد من قومه *** إلا صبي واحد ونساء
108
فدعا فلبى في القبائل عصبة *** مستضعفون قلائل أنضاء
109
ردوا ببأس العزم عنه من الأذى *** ما لا ترد الصخرة الصماء
110
والحق والإيمان إن صبا على *** برد ففيه كتيبة خرساء
111
نسفوا بناء الشرك فهو خرائب *** واستأصلوا الأصنام فهي هباء
112
يمشون تغضي الأرض منهم هيبة *** وبهم حيال نعيمها إغضاء
113
حتى إذا فتحت لهم أطرافها *** لم يطغهم ترف ولا نعماء
114
يا من له عز الشفاعة وحده *** وهو المنزه ما له شفعاء
115
عرش القيامة أنت تحت لوائه *** والحوض أنت حياله السقاء
116
تروي وتسقي الصالحين ثوابهم *** والصالحات ذخائر وجزاء
117
ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطوى *** وانشق من خلق عليك رداء
118
لي في مديحك يا رسول عرائس *** تيمن فيك وشاقهن جلاء
119
هن الحسان فإن قبلت تكرما *** فمهورهن شفاعة حسناء
120
أنت الذي نظم البرية دينه *** ماذا يقول وينظم الشعراء
121
المصلحون أصابع جمعت يدا *** هي أنت بل أنت اليد البيضاء
122
ما جئت بابك مادحا بل داعيا *** ومن المديح تضرع ودعاء
123
أدعوك عن قومي الضعاف لأزمة *** في مثلها يلقى عليك رجاء
124
أدرى رسول الله أن نفوسهم *** ركبت هواها والقلوب هواء
125
متفككون فما تضم نفوسهم *** ثقة ولا جمع القلوب صفاء
126
رقدوا وغرهم نعيم باطل *** ونعيم قوم في القيود بلاء
127
ظلموا شريعتك التي نلنا بها *** ما لم ينل في رومة الفقهاء
128
مشت الحضارة في سناها واهتدى *** في الدين والدنيا بها السعداء
129
صلى عليك الله ما صحب الدجى *** حاد وحنت بالفلا وجناء
130
واستقبل الرضوان في غرفاتهم *** بجنان عدن آلك السمحاء
131
خير الوسائل من يقع منهم على *** سبب إليك فحسبي الزهراء