الواجب الكوني
راشيل و الواجب
الإنساني
عجز الإنسان أو تخاذله عن القيام بالواجب الكوني لا يعني انتفاء هذا
النوع من الواجبات. فقد كانت صدمتي كبيرة و أنا أنصت لتدخلات التلاميذ حول غياب
الواجب الإنساني فبالأحرى الكوني.
عندها استنتجت مدى فداحة ما خسرناه و ما سنخسره نتيجة التربية على الأنانية و إنكار الغير. تربية ساهمت في صناعة أجيال معطوبة نفسيا، ليست لها القدرة على العطاء دون انتظار المقابل، لدرجة أن كثيرين لا يتصورون حتى إمكانية وجود هذا النوع من الواجب الإنساني. تربية تعزز التمركز حول الذات وتجعل أفق تفكير الفرد أكثر انغلاقا رافعا شعار" أنا ومن بعدي الطوفان". حاولت ما أمكن أن أوضح طبيعة الواجب الإنساني الذي يكون تجاه من لا تجمعنا بهم أي رابطة غير رابطة الإنسانية. كانت ردود الفعل تتجه نحو عدم الاقتناع، مع أني لم أعمل يوما ما، ولو على سبيل المحاولة، بإقناع تلامذتي بفكرة أو تصور ما، فهذه ليست من مهامي ... إذ ذاك لم أجد بدا من اللجوء إلى المثال ، أو بالأحرى نموذج واقعي يجسد الواجب الإنساني و التضحية التي يمكن أن يقوم بها إنسان نحو إنسان أخر دون أن تجمعه لا الروابط العرقية و لا الدينية، اللغوية أو الجغرافية... في الحين تبادر إلى ذاكرتي طيف راشيل كوري(Rachel Corrie ) بجسدها النحيل وقد صارت جثة هامدة تحت جرافة تزن أطنان. لتسيل دماؤها و تختلط بتراب غزة.
عندها استنتجت مدى فداحة ما خسرناه و ما سنخسره نتيجة التربية على الأنانية و إنكار الغير. تربية ساهمت في صناعة أجيال معطوبة نفسيا، ليست لها القدرة على العطاء دون انتظار المقابل، لدرجة أن كثيرين لا يتصورون حتى إمكانية وجود هذا النوع من الواجب الإنساني. تربية تعزز التمركز حول الذات وتجعل أفق تفكير الفرد أكثر انغلاقا رافعا شعار" أنا ومن بعدي الطوفان". حاولت ما أمكن أن أوضح طبيعة الواجب الإنساني الذي يكون تجاه من لا تجمعنا بهم أي رابطة غير رابطة الإنسانية. كانت ردود الفعل تتجه نحو عدم الاقتناع، مع أني لم أعمل يوما ما، ولو على سبيل المحاولة، بإقناع تلامذتي بفكرة أو تصور ما، فهذه ليست من مهامي ... إذ ذاك لم أجد بدا من اللجوء إلى المثال ، أو بالأحرى نموذج واقعي يجسد الواجب الإنساني و التضحية التي يمكن أن يقوم بها إنسان نحو إنسان أخر دون أن تجمعه لا الروابط العرقية و لا الدينية، اللغوية أو الجغرافية... في الحين تبادر إلى ذاكرتي طيف راشيل كوري(Rachel Corrie ) بجسدها النحيل وقد صارت جثة هامدة تحت جرافة تزن أطنان. لتسيل دماؤها و تختلط بتراب غزة.
كانت راشيل إلى جانب نشطاء سلام آخرين يحاولون الوقوف في وجه
الجرافات الصهيونية التي كانت بصدد هدم بيت لعائلة فلسطينية في الشريط الحدودي
لقطاع غزة. محاولتهم لصد الجرافة جوبهت بتعنت السائق الذي واصل التقدم نحو النشطاء
عندما اقتربت منهم بشكل أصبح يشكل تهديدا مباشرا لحياتهم. قاموا بالتراجع لكن
راشيل رفضت الاستسلام وبقيت صامدة في مكانها كشجرة ترفض الإقتلاع فما كان من سائق
الجرافة إلا أن دهسها محولا جسدها إلى كتلة من دماء و أشلاء.
هذا المشهد على بشاعته و قسوته، دفعنا إلى التساؤل لماذا تضحي فتاة
أمريكية في مقتبل العمر لم تتجاوز الواحد و العشرين ربيعا بزهرة شبابها من أجل
أسرة لا تقاسمها نفس المبادئ و لا الانتماء العرقي الديني أو اللغوي...؟ إن عجزنا
عن القيام بالواجب الإنساني بشكل واع وإرادي ليس مرده إلى استحالته او صعوبته.
فهناك أشخاص في زمان ومكان آخرين أكثر تحررا من أنانيتهم وتمركزهم حول ذواتهم
ينوبون علينا في هذه المهمة. ما يدل على أن ضمير الإنسانية لم يمت بعد.
كانت راشيل بجسدها الغارق في الدماء المسجى على تراب غزة تعاتبنا
تحاكمنا و تفضح صمتنا وتخاذلنا الذي تحول إلى تواطؤ غير معلن. كانت تخاطب فينا ما
تبقى من مروءة ضمير. أعلم أن نموذج راشيل كان صادما وقاسيا. حتى أن إحدى التلميذات
لم تتمالك نفسها و هي تدرف الدموع و علامات التأثر بادية على ملامحها. حينها أدركت
أن المشكل لا يكمن في طبيعتنا كبشر، وإنما تكمن في التربية و نوع القيم السائدة
التي تجعل من الواجب الإنساني أقرب إلى الواجب المثالي الصعب التحقيق.
طارق مرشد