الواجب: الوعي الأخلاقي
تقوم
الأخلاق على الوعي كقدرة على التمييز بين الخير والشر، حيث يبدو الوعي أو الضمير
الأخلاقي كأحاسيس داخلية أو صوت ينطلق من أعماق الذات للقيام بالواجبات، لكن
الملاحظ أن الناس يختلفون في أحاسيسهم وأحكامهم الأخلاقية. وهو ما يجعلنا أمام
مفارقة يمكن صياغتها في التساؤل التالي: هل الحس
الأخلاقي فطري وطبيعي عام ومطلق، أم أنه في المقابل مكتسب ونسبي؟
يمكنك مشاهدة الفيديو لشرح أكثر
كجواب على هذا الإشكال يؤكد روسو
أن الوعي الأخلاقي مجموعة أحاسيس فطرية في الإنسان تعبر عن الجانب الخير فيه.
ويؤكد وجود مبدأ فطري غريزي للعدالة والفضيلة في أعماق النفس الإنسانية من خلاله
نقوم بإصدار أحكام على أفعالنا وأفعال غيرنا فنصفها بالخيرة أو الشريرة. هذا
المبدأ الفطري يسمى الوعي الأخلاقي، الذي يسمو به الإنسان على الحيوان، وهو أشبه
بأحاسيس باطنية تلقائية تتوافق مع المعايير والقواعد الأخلاقية التي يتم اكتسابها فيما
بعد من المجتمع. وهو ما يجعل الضمير الأخلاقي مطلقا وصائبا دائما بحيث لا يخطئ
يترتب على ما سبق فطرية الضمير الأخلاقي الذي
يعود إلى جانب الخير في الإنسان وإلى طيبوبته.
أما
نيتشه فينتقد هذا التصور محاولا النبش
في أصل ونشأة الأخلاق، رافضا ربط الوعي الأخلاقي بطيبوبة الإنسان وحبه للآخرين أو بفطرته
الخيرة التي أفسدها المجتمع، مؤكدا أنه يجد أصله في الرغبة في الانتقام وممارسة
العقاب على الخصم نظرا لوجود علاقة غير متكافئة بين الدائن والمدين وبين العبد
والسيد وبين الضعيف والقوي. إن الوعي الأخلاقي تعبير عن الصراع والقسوة والقوة.
لذلك على الفعل الأخلاقي أن يخدم ويزيد من قوة الحياة، لا أن يضعفها ويضع لها حدودا
تحاصرها. وهنا يميز الفيلسوف بين نوعين من الأخلاق: أخلاق السادة التي تجسدها
القوة والعنف والاستغلال... وأخلاق العبيد التي تجسدها الرحمة والشفقة والمساواة. (شاهد مقطع المحاكمة من مسرحية تاجر البندقية لشكسبير)
يرفض
فرويد هو الآخر القول بفطرية الوعي
الأخلاقي وبالطبيعة الخيرة والطيبة للإنسان مؤكدا، في المقابل، أن الإنسان شرير
وعدواني وأناني بطبعه، فهو لديه ميول طبيعية للعدوان وليس لفعل الخير. مبينا أن
الضمير الأخلاقي ليس إلا جزءا من البنية النفسية للفرد، إذ يمثل الأنا الأعلى الذي
تشكل نتيجة السلطة والمراقبة التي يمارسها الوالدان لفرض القيم والقواعد والتقاليد
الاجتماعية على الفرد والتي تم استدماجها وأصبحت تؤدي إلى القلق والتوتر والإحساس
بالذنب أو ما يسمى تأنيب الضمير. وبالتالي فالوعي الأخلاقي ليس كيانا مستقلا
متعاليا بل هو جزء من البنية النفسية للفرد.
تأسيسا
على ما سبق يمكن القول إن الأطروحات التي تناولت إشكالية الضمير الأخلاقي تقدم كل
واحدة منها جانبا من جوانبه المختلفة. فهو قد يكون إحساسا داخليا واستعدادا لفعل
الخير يعمل المجتمع على تنميته وتطويره ليتناسب مع قيمه ونماذجه الثقافية التي
تختلف من مرحلة تاريخية إلى أخرى والتي تفرض التخلي عن واجبات والتحلي بأخرى جديدة،
ما يجعل الواجب الأخلاقي نسبيا متغيرا مرتبطا بالمجتمع أكثر من غيره والتساؤل
المطروح. ما طبيعة هذه العلاقة؟