المحور الثالث السعادة والواجب
السعادة والواجب
بالرغم من صعوبة تقديم تصور دقيق للسعادة،
فإنه يمكن القول بارتباطها بتحقيق المتعة واللذة والمصلحة الشخصية وهو ما يمكن أن
يتعارض مع الواجب الذي يحيل إلى الإلزام الذي قد يفرض على الفرد ويجعله يضحي
بسعادته الخاصة للقيام بذلك الواجب. فهل فعلا تتعارض
السعادة مع الواجب؟ بمعنى آخر هل تتعارض المتعة الشخصية مع المعايير الأخلاقية؟ هل
سعادتي انغلاق على متعي الشخصية أم انفتاح على الغير؟ (*)
يعتقد كثير من الناس أن السعادة استمتاع
الذات بالملذات والرغبات الخاصة بعيدا عن أي إكراه خارجي ويرون أن الواجب تقييد
لهذا الاستمتاع. في مقابل هذا الموقف العامي يرى الفيلسوف الانجليزي راسل أن التصور العامي للسعادة والذي يحصرها في
الاستمتاع بملذات سخيفة يؤدي إلى سعادة مزيفة مؤقتة تمثل هروبا من مشاكل الواقع
الأليم. تقابل هذه السعادة سعادة أصيلة وحقيقية تتجسد في الانفتاح على الغير
والاهتمام به من خلال تخصيص الوقت والجهد لكل ما يبعث السرور في نفسه دون رغبة في
السيطرة عليه أو إخضاعه أو حتى الحصول على ثنائه وإعجابه. يرى هذا الفيلسوف أيضا
أن الذات ينبغي عليها التودد إلى الغير وإسعاده خارج إطار الواجب الذي يجعل إقبال
الذات نتاج إكراه وإلزام ما يؤدي إلى النفور وبالتالي حصول العداء في العلاقات
الإنسانية.
يقوم موقف راسل Russel، إذن، على أن السعادة تحصل بعيدا عن فكرة الواجب،
لكنها لا تتحقق إلا بالحضور مع الغير ومحاولة إدخال السرور والفرح على حياته.
بموازاة هذا الموقف يؤكد الفيلسوف الفرنسي ألان Alain انه لا يمكننا إسعاد الآخرين إذا لم نكن نحن سعداء، ذلك أن فاقد
الشيء لا يعطيه. وهو ما يجعل إسعاد الشخص لذاته واجبا تجاه الغير. فأنا لست مطالبا
بإسعاد الغير بل مطالب أكثر من ذلك بإسعاد ذاتي. يضيف هذا الفيلسوف أن السعادة
ينبغي أن تكون نابعة من إرادة الذات، لإن الانسان لا يمكنه أن يكون سعيدا إذا كان
لا يريد ذلك. إن الواقع الإنساني مليء بكل ما يبعث على الشقاء واليأس ويسبب اليأس
والاستياء والشكوى. هنا تكون السعادة مطلبا صعبا لأنها تفرض مقاومة كل ما سبق.
لهذا يجب على كل واحد منا أن يطلب السعادة بقوة ويصنعها بنفسه كالطفل الصغير الذي
يحول كل شيء إلى مصدر متعة وسعادة. بهذا يعمل المرء السعيد على تنقية أجواء الحياة
الاجتماعية من السموم التي تكدرها وتنتشر فيها كالوباء وتؤدي إلى المآسي الإنسانية
التي ترجع حسب ألان إلى وجود أناس لم يكونوا سعداء ولا يعرفون كيف يكونوا سعداء
ولا يتحملون رؤية الناس سعداء.
بناء على ما سبق نخلص إلى أن
السعادة لا تتعارض مع الواجب، بل إن التعارض يكمن في تصورنا للمفهومين وللعلاقة
بينهما حيث لا تعارض كما رأينا. إن الغموض يكمن أساس في لتصورنا لجوهر الوجود
الإنساني وللحياة التي لا يمكن أن تنحصر في الأخذ والتملك والاستمتاع الشخصي.
وإنما تتعداه إلى العطاء والتضحية العفوية التلقائية حيث يحضر الواجب تجاه الغير
كشكل من أشكال الاستمتاع وكمصدر للسعادة. إلا أن شرط إسعاد الآخرين هو أن نكون نحن
سعداء.
وفي ظل الواقع الراهن تبدو السعادة
عند الكثير من الناس مطلبا خاصا ينظر فيه إلى الواجب وإلى الآخرين كمصدر إعاقة
أمام تحقيق المتع والملذات الشخصية في انغلاق شبه تام على الذات إلا أن يكون الغير
موضوع استمتاع، أي شيئا ووسيلة لتحصيل المتعة. وداخل مجتمع الاستهلاك، حيث تطغى
النزعة الأنانية نكون مطالبين أكثر بالموازنة بين إسعاد الذات دون السقوط في
الأنانية المفرطة وبين إسعاد الغير دون السقوط في التضحية المدمرة أو ما يسميه
البعض الفدائية. والسؤال الذي يفرض نفسه ألا تفقد السعادة قيمتها الأخلاقية
والعلائقية عندما تتحول إلى فعل استمتاع وبالضبط إلى استهلاك أناني جنوني مهووس
بكل جديد وغريب؟
(*)انطلقنا في بداية الاشتغال على هذا المحور من ملخص قصة الفيلم الإيراني ألوان الجنة للمخرج مجيد مجيدي الذي يحكي قصة صبي أعمى في الثامنة من عمره يقضي إجازته الدراسية مع جدته وأختيه ووالده الذي يبدو متبرما من هذا الوضع منشغلا عن ولده بمشاريعه الخاصة وهو أرمل تعيس في حياته التي أمضاها في شقاء، وهو يعمل في الغابة في معمل للفحم ثم يقوم الوالد بخطبة فتاة من قرية مجاورة ولكن قبل موعد الزواج يغير أهلها رأيهم ويعيدون له هداياه وهذا يشكل صدمة له ، ثم يقرر في لحظة ما التخلص من ابنه الضرير نهائيا ففي طريق عودته مع ابنه يتحايل الأب عليه فيهرب ويتركه وحيدا تائها وسط الغابة. لكن صحوة ضمير تجعله يعود أدراجه ليصحب ابنه الغافل عما حصل معه ، ثم يرسل الوالد ابنه إلى نجار وهو ضرير أيضا ليعلمه النجارة وبعد فترة يعود الأب لإرجاع ابنه ولكن في طريق العودة ينكسر الجسر الخشبي المعلق على أحد النهار الكبيرة فيسقط الولد الذي كان يركب الحصان في النهار
(*)انطلقنا في بداية الاشتغال على هذا المحور من ملخص قصة الفيلم الإيراني ألوان الجنة للمخرج مجيد مجيدي الذي يحكي قصة صبي أعمى في الثامنة من عمره يقضي إجازته الدراسية مع جدته وأختيه ووالده الذي يبدو متبرما من هذا الوضع منشغلا عن ولده بمشاريعه الخاصة وهو أرمل تعيس في حياته التي أمضاها في شقاء، وهو يعمل في الغابة في معمل للفحم ثم يقوم الوالد بخطبة فتاة من قرية مجاورة ولكن قبل موعد الزواج يغير أهلها رأيهم ويعيدون له هداياه وهذا يشكل صدمة له ، ثم يقرر في لحظة ما التخلص من ابنه الضرير نهائيا ففي طريق عودته مع ابنه يتحايل الأب عليه فيهرب ويتركه وحيدا تائها وسط الغابة. لكن صحوة ضمير تجعله يعود أدراجه ليصحب ابنه الغافل عما حصل معه ، ثم يرسل الوالد ابنه إلى نجار وهو ضرير أيضا ليعلمه النجارة وبعد فترة يعود الأب لإرجاع ابنه ولكن في طريق العودة ينكسر الجسر الخشبي المعلق على أحد النهار الكبيرة فيسقط الولد الذي كان يركب الحصان في النهار