العدالة كأساس للحق
إن التفكير الفلسفي في مفهوم الحق يفترض
تحديد ماهيته وذلك بالوقوف عند خصائصه الثابتة التي تجعل تحقيق العدالة ممكنا. فإذا
كانت العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه، فما هي العلاقة بين الحق والعدالة؟ وكيف
تتحقق العدالة في ارتباطها بالحق؟
يمكنك مشاهدة الفيديو أو متابعة القراءة
إن العدالة تجسيد للحق
وتحقيق له، وهذا التجسيد لا يخرج عن إطار الدولة حسب سبينوزا
Spinoza.
فهي التي تعمل على نقل الأفراد من حالة الطبيعة، حين تخلصهم من سيطرة الشهوة
والغريزة، وتحل محلها العقل، سعيا إلى الأمن والسلام. وهو ما يتطلب الاعتراف
بالقانون المدني الوضعي، والالتزام به، دون غيره، كضامن لحقوق الأفراد، في إطار
سلطة عليا متوافق عليها تسهر على فرضه. ويؤكد سبينوزا أن الفرد ينتهك القانون عندما
يلحق الضرر بغيره، ويرفض أوامر السلطة العليا التي يمثلها الحاكم. ويؤكد أنه لا يمكن
تصور انتهاك القانون إلا في مجتمع منظم. ويحدد العدل كاستعداد دائم لأن يعطي الفرد
كل ذي حق حقه طبقا للقانون. في مقابل ذلك فالظلم هو سلب لحقوق الغير. ومن هنا تبرز العلاقة الوثيقة بين العدالة والحق. إذ لا
ووجود للعدالة إلا وهي ترتبط بالحق وبالقانون داخل إطار الحياة المدنية السياسية
التي تعتبر الدولة الديمقراطية أسمى تجسيد لها.
ارتباط العدالة بالدولة-
خصوصا الحديثة والمعاصرة- وبالقانون يؤكده أيضا فون
هايك Von Hayek
.إذ أن العدالة ينبغي أن تتأسس على نظام شرعي متوافق عليه، يضمن
الحرية والمساواة وباقي الحقوق. كما أن العدالة ينبغي أن تكون فعلا يرتبط
بالممارسة اليومية، حيث يحترم حق كل فرد، ويلتزم بمبدأ المساواة، على أساس الوعي والإرادة
والاختيار. ذلك أن الفعل العادل ليس نتاج الصدفة أو العفوية، وإنما هو مقنن ومنضبط
للقانون كمرجع أسمى، لأنه يحدد قواعد العدالة، ويحافظ
على المجتمع السياسي الذي تسوده الحرية وهو (القانون) أيضا وحده الملزم للمواطنين
والمفروض على الجميع.
وفي
تحديده لماهية الحق يؤكد الفيلسوف الفرنسي ألان
Alain أن هذه الماهية تتحدد في
المساواة التي تفترض معاملة الناس أمام القانون بالتساوي وبدون أي تمييز. يقول :
"لقد تم ابتكار الحق ضد اللامساوة". ويرى أنه من يقول غير ذلك فإنما
يقول قولا بئيسا. وتحقيق حق المساواة يرتبط بالقوانين العادلة التي تضعها الدولة
للعمل على تحقيق العدالة من خلال صيانة الحق وضمانه للجميع بدون تمييز وبغض النظر
عن الاختلافات والتفاوتات الموجود بين الناس سواء كانوا رجالا أو نساء كبار أو
صغارا...وبهذا المعنى لا يمكن تصور عدالة إلا وهي
ترادف المساواة في الحقوق وتدل عليها.
بناء على ما سبق تعتبر العدالة أساس الحق
لأنها تقوم على المساواة في الحقوق وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا داخل الدولة
باعتبارها مؤسسة سياسية تقوم على الشرعية وعلى التعاقد ووضع القواعد والقوانين
التي تعتبر مرجعا للحقوق المدنية. لكن ربط العدالة بالمساواة المطلقة قد يترتب
عليه ظلم لفئات اجتماعية معينة ما يفرض توسيع مجال العدالة ليشمل مفهوما آخر هو
الإنصاف. فهل تتحقق العدالة بالمساواة أو بالإنصاف؟