الواجب والمجتمع duty and society
يبدو من خلال المحورين السابقين أن الواجب يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالمجتمع
فهو يعبر عن مطالبه وعن مصالح الجماعة التي ينتمي إليها الفرد لكن السؤال المطروح هل ينحصر واجب الفرد نحو مجتمعه أم
يتجاوزه إلى الإنسانية والكونية؟.
بالعودة إلى المواقف السابقة نجد كانط kant يؤكد أن
الواجب يستمد سلطته من داخل الفرد باعتباره استجابة داخلية، حيث تمتثل الإرادة
لنداء العقل الأخلاقي. كما يبين روسو أن الضمير الأخلاقي فطري يجسد الجانب الطيب
والخير في الإنسان...
لكن في المقابل نجد الموقف الأساسي الذي يمثله دوركايم Durkheim يرفض ذلك ويؤكد أن الواجب لا ينفصل عن
المجتمع الذي يقوم بترسيخ نماذجه وقيمه الثقافية عن طريق التنشئة الاجتماعية التي
تشكل ضمير الفرد. لهذا يقول " فضميرنا الأخلاقي لم
ينتج إلا عن المجتمع، ولا يعبر إلا عنه. وإذا تكلم ضميرنا، فإنما يردد صوت المجتمع
فينا ". فهو بهذا المعنى ليس فطريا ولا طبيعيا وإنما انعكاس للضمير الجمعي
الذي يمارس سلطة كبيرة على أفراده.
يرتبط الواجب بالمجتمع إلا أن برغسون Bergson يتساءل عن
طبيعة هذا المجتمع هل هو الذي نعيش في حدوده الضيقة أم هو المجتمع الواسع المنفتح
على الإنسانية. يجيب برغسون على هذا السؤال مؤكدا على وجود واجب كوني لا يرتبط
بالمجتمع وإنما يرتبط بالإنسان من حيث هو إنسان. وذلك بغض النظر عن ثقافته أو جنسه
أو دينه أو غير ذلك وبهذا يتم تأسيس لقيم إنسانية تعلو على المصالح الضيقة للجماعة
وتؤدي إلى سيادة قيم وواجبات الحب والتسامح والتضامن...هذا التضامن ينظر
إليه راولس Rawls كواجب يتجاوز
حدود الحاضر لينفتح على المستقبل داعيا إلى الأخذ بعين الاعتبار في وضع الواجبات
حقوق الأجيال القادمة كالحفاظ على بيئة سليمة وعلى الخيرات الطبيعية.
تأسيسا على ما سبق يمكن القول بأن الواجب يتخذ طابعا فطريا وإراديا على اعتبار أن
السلوك الأخلاقي أو الحس الأخلاقي يولد مع الإنسان لكن في الواقع يرتبط الواجب
بقوة بالمجتمع فداخله تحددت الواجبات وتشكل الوعي الأخلاقي للفرد كانعكاس لوعي
المجتمع ولمطالبه ومصالحه غير أن انغلاق الواجب على المجتمع الصغير يفقده طابعه
المطلق الذي يجعله منفتحا على المستقبل كواجب كوني تجاه الإنسان سواء في الحاضر أو
المستقبل بتنمية قيم التضامن والتعاون والتضحية والسعي لتحقيق سعادة الإنسان فإلى
أي حد يؤدي القيام بالواجب إلى السعادة؟