العدالة بين المساواة والإنصاف equality and equity
إذا كان الحق قد ابتكر من أجل
تقويم السلوك والقضاء على الفروق القائمة بين الناس في حالة الطبيعة، فهو يفترض أن
المساواة أساس العدالة، ومن يقول غير ذلك فإنما يقول "قولا بئيسا" -حسب ألان -فهل المساواة تؤدي إلى إنصاف الجميع؟ ألا
يمكن للمساواة نفسها أن تكون ظلما؟ ألا يمكن أن تكون هي الأخرى "تأسيسا
للبؤس"؟
لفهم أكثر للإشكال يمكن الإطلاع على الفيديو
أو فيديو ملخص المحور
ترتبط المساواة بتحقيق "تماثل وتناسب رياضي"
بين الأفراد، بغض النظر عن الفروق الموجودة بينهم. أما الإنصاف
فيقوم على "إعطاء كل ذي حق حقه"، مع مراعاة مبدأ الاستحقاق، واعتبار
التفاوتات الموجودة بين الأفراد، إما لمكافأتها والتشجيع عليها أو للحد منها. وفي
تناوله لهذه الإشكالية، يطابق أرسطو
بين العدل والإنصاف، لكنه يقر بأفضلية الإنصاف. ويبرر ذلك بأن العدالة تطبيق حرفي
للنصوص القانونية، التي تتميز بالعمومية، والتي يمكن أن يلحقها الخطأ جراء
التطبيق. في حين يكون الإنصاف عملا بروح القانون
ومقصده، وهو تحقيق العدالة والخير للجميع. وذلك بمراعاة الحالات الخاصة من
جهة، وتصحيح القانون من جهة أخرى. وبالتالي فالإنصاف
أسمى من العدالة، لأن القانون قد يؤسس عدالته على المساواة بشكل عام، إلا أن هذه
العمومية لن تكون منصفة للجميع، حين تساوي بين الجميع.
ويؤسس الفيلسوف الأمريكي
المعاصر راولز تصوره للعدالة كإنصاف، والتي تتشكل داخل نظام سياسي
ديمقراطي عادل قائم على التوافق بين المواطنين الأحرار، لضمان العدالة والخير للجميع.
تقوم هذه النظرية على مبدأين أساسيين هما: المساواة في الحقوق الأساسية (الحريات). وفي
المقابل اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية. وهذه
الأخيرة لن تكون عادلة ومنصفة إلا إذا استوفت شرطين هما تكافؤ الفرص من جهة، وضمان
أكبر قدر من المنفعة لأعضاء المجتمع الأكثر حرمانا من جهة أخرى. ينتج عن ذلك
استفادة الجميع من خيرات المجتمع، وإحساسهم بالعدالة الذي يتجلى(الإحساس) من خلال
الاعتراف بالمؤسسات العادلة، وقبول سلطتها، والاقتناع بأنها تخدم مصالح الجميع،
ولذلك يسعى الجميع، كرد فعل إيجابي، إلى الحفاظ على نظامها واستقرارها.
إن نظرية
العدالة كإنصاف تراهن على تمكين الجميع من الاستفادة من خيرات المجتمع، وفي نفس
الوقت القبول والاقتناع بالتمايزات والاختلافات الموجودة بين الأفراد داخل مجتمع
تعددي. لكنها تراهن في نفس الوقت على شرعنة الاختلاف والتفاوت وعلى الحفاظ على
الوضع القائم.
ننتهي أخيرا
إلى أن العدالة تتجاوز المساواة لتتخذ من الإنصاف غاية لها. فإذا كانت المساواة
تقتضي التسوية بين الناس وجعلهم سواسية في الحقوق وأمام القانون، فإن الإنصاف يهدف
إلى تحقيق توزيع عادل للخيرات على الجميع مراعيا التفاوت والاختلاف بين الناس،
وإلا تم ارتكاب الظلم باسم العدالة... كل ذلك في إطار نظام سياسي شرعي يعلي من
قيمة الإنسان ويحفظ كرامته.