مقترح تقديم لمجزوءة المعرفة
تشكل المعرفة المبحث الثاني في النسق الفلسفي- بعد مبحث الوجود ontologie- . وتمثل المعرفة سمة مميزة للكائن البشري في محاولة لتفسير وفهم ما يحيط به من ظواهر وما يطرح على ذهنه من أسئلة. وتعني المعرفة ذلك النشاط العقلي والحسي لإدراك وفهم آليات اشتغال الظواهر في إطار علاقة بين ذات دارسة وموضوع دراسة. فقد حاول الإنسان على مدى التاريخ في مرحلة أولى تفسير الظواهر تفسيرا خرافيا بتدخل قوى خارقة، ثم انتقل إلى تفسير تجريدي بالبحث عن ماهية الظاهرة، قبل أن يؤسس علاقة مباشرة بالواقع قائمة على التجربة الحسية والملاحظة العامية العادية، وهو ما لا يتيح فهما دقيقا للظواهر. فكانت المرحلة العلمية تجاوزا لما سبق وتعبيرا عن تطور العقل سواء في فهمه لظواهر الطبيعة والإنسان وحتى فهمه لذاته. وقد توخت هذه السيرورة الإمساك بحقيقة الظواهر من خلال صياغة نظريات علمية تكمل نقائص بعضها أو تلغيها، بل إنها وضعت العقل نفسه موضع سؤال ومراجعة... وهكذا أثارت فلسفة العلم أو الابستمولوجيا إشكالات تتعلق بشروط إمكان المعرفة العلمية ومصادرها وصلاحية نظرياتها ومعاييرها... كل ذلك من أجل تأسيس معرفة يقينية بالظواهر المدروسة، والوصول إلى بناء الحقيقة باعتبارها غاية كل معرفة.