دروس الفلسفة مفهوم الدولة المحور الأول مشروعية الدولة وغاياتها
مفهوم الدولة المحور الأول مشروعية الدولة وغاياتها
يتحدد الإنسان ككائن اجتماعي كما عبر عن ذلك مجموعة من الفلاسفة منذ أرسطو إلى الفلاسفة المعاصرين ويتجلى ذلك في سعيه إلى الوحدة والتنظيم من خلال ممارسة السياسة وهي فن إدارة المجتمعات الإنسانية، لحل الصراع وتدبير الشأن العام. والدولة أهم تجلياتها كمنتوج تاريخي يتوخى الوحدة السياسية والتنظيم الاجتماعي، من خلال مجموعة مؤسسات وأجهزة. تبدو الدولة تعبيرا عن حاجة إنسانية لتنظيم عقلاني لحياة الأفراد وتلبية حاجاتهم، لكنها تظهر أيضا مفارقة للفرد ومتعالية عليه، حين يصبح الفرد خادما للدولة وخاضعا لسلطتها وجبروتها وموضوعا لعنفها. وهو ما يطرح إشكالية الأصل والمشروعية والغاية من وجود الدولة. فمن أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل باعتبارها وسيلة لخدمة الفرد أم باعتبارها غاية في حد ذاتها فرضتها شروط التطور التاريخي؟
تتحدد الدولة كمؤسسة مهمتها تنظيم الحياة السياسية والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد داخل مجال ترابي محدد...وهي المؤسسة التي تتجسد فيها السلطة والسيادة. أما المشروعية فتعني المبررات والأسباب التي تجعل الأفراد يطيعون ويخضعون لسلطة ما. يرى فيبر أن مصادر مشروعية ممارسة السلطة تطورت عبر التاريخ. ويحصر مصادر المشروعية في ثلاثة أساسية هي:
التقليدية التي تمثلها العادات والتقاليد المتوارثة التي تجعل الفرد يخضع لسلطة للأب أو الجد أو الشيخ.
والمشروعية الكارزمية المتمثلة في سلطة القائد والبطل الملهم أو النبي الذي يخضع له الآخرون لامتلاكه مزايا وصفات شخصية خارقة.
أما النوع الثالث فهو المشروعية الحديثة المتمثلة في سلطة القانون، التي تمثلها الدولة الحديثة، حيث الامتثال للشرعية والقيام بالواجبات كما يحدد النظام المعمول به.
هكذا تطورت الصيغ الأولية للدولة بشكل تدريجي انطلاقا من العائلة ثم القبيلة والمدينة وأخيرا الدولة.
وفي إطار البحث في أصل الدولة ونشأتها يرى فلاسفة العقد الاجتماعي وخصوصا جون لوك أن فهم الدولة والسلطة السياسية فهما صحيحا ينبغي أن ينطلق من التحري حول حالة الطبيعة التي وجد عليها الأفراد حيث تبدو الدولة مجرد اتحاد بين أفراد أحرار يرغبون في تنظيم العيش المشترك. هذه الإرادة تم تجسيدها في العقد الاجتماعي الذي منه نشأت الدولة. وبالتالي فلا وجود للدولة قبل الفرد، بل إن مشروعيتها مستمدة من الفرد وغايتها خدمته. فما دامت الدولة نتناج تعاقد فإن غاية العقد الاجتماعي الحفاظ على المتعاقدين. وهو ما يؤكده سبينوزا حين يعتبر هو الآخر أن الغاية من وجود الدولة ضمان حرية الأفراد وليس ممارسة القهر عليهم. فمشروعية الدولة مستندة من الغاية التي وجدت من أجلها. ذلك أن الدولة تستمد مشروعيتها، حسب روسو وأيضا هوبس، من تعاقد الأفراد واجتماعهم وتوحدهم في ميثاق يتخلون بموجبه عن السلطة لفرد - أو جمعية – يخضع الجميع إرادتهم لإرادته وأحكامهم لحكمه. لهذا يرى هوبز أن ماهية الدولة تتجسد في الحاكم الذي يتنازل له كل فرد عن حقه في حكم نفسه بنفسه. لقد أصبح الكل موحدا في شخص واحد يسمى الدولة، حيث يمتلك هذا الشخص/الحاكم قدرة وقوة على ممارسة السيادة بالشكل الذي يراه مناسبا لأمن الأفراد وسلامتهم جميعا.
مشروعية الدولة، إذن، مستمدة من غاياتها المتمثلة في تعاقد الأفراد لحماية أنفسهم وضمان حقوقهم وضمان السلم والأمن. إلا أن هيجل يرفض اعتبار الدولة مجرد اختيار حر للأفراد لإدارة شؤونهم ويرى أنها تتعالى على ذلك فالدولة غاية في ذاتها لأنها تجسيد للروح الموضوعي وتحقيق الإرادة الكونية الحرة بوصفها فكرة أخلاقية، حيث يلتحم الحق والأخلاق عبر المسيرة الجدلية للعقل. لهذا يكون الانتماء إلى الدولة ضرورة أخلاقية وليس اختيارا حرا للفرد نابعا من رغبته في إشباع وتلبية حاجاته، لأن هذه الغاية ترتبط بمؤسسات المجتمع المدني وليس الدولة التي تتعالى عن ذلك.
بناء على ما سبق فالدولة وجدت من أجل الإنسان، لتنظيم حياته الاجتماعية بشكل عقلاني، ومنه تستمد مشروعيتها والغاية من وجودها. وكما يقول لوك من يريد الغاية يريد أيضا الوسائل والتي لا تنفصل عن بعض المخاطر والتضحيات. ولعل الوسيلة التي تميز الدولة هي ممارسة السلطة السياسة، فما هي وسائل ممارسة السلطة؟