مجزوءة المعرفة - النظرية والتجربة - معايير العلمية- من كتاب بنية الثورات العلمية لتوماس كون



في مجزوءة المعرفة درس النظرية والتجربة يمكن أن نستعين بهذا المقطع لإبراز قيمة وحدود المنهج العلمي الاستقرائي من كتاب بنية الثورات العلمية لتوماس كون

نقد العلم الاستقرائي التراكمي



في أكثر من موضع في كتابه يلقي هيوم 1711-1776 ظلا ثقيلا من الشك على أساس العلم والمهج العلمي(الاستقراء ) وبالتاتليي ما يسمى التفكير الموضصوعي والعقل العلمي. فمنمنطلق مذهبه اللتجريبي- الحسي empirisme الذي مبدِه الحواس وحدها سبيل المعرفة، ينقض هيوم على منهج الاستقراء المعتمد في العلوم ويدمره تدميرا. فما هو ذلك المنهج الذي صار ركاما، أو نقول أثرا بعد عين؟

منهج الاستقراء يفيد أن "الظواهر التي لم نختبرها بعد يجب أن تشابه الظواهر التي اختبرناها، وأن مجرى الطبيعة سيستمر كما هو بانتظام دائم". معنى  ذلك أن في الطبيعة نظاما لا يتبدل، وأن المستقبل هو تماما ودائما كالماضي. وبلغة السببية يفيد التعريف الهيومي أن العقيدة التي تفيد أن الأسباب ذاتها تنتج النتائج ذاتها، إن هي إلا عقيدة فاسدة، فليس في الواقع علاقة مثل تلك العلاقة يمكن  الاحساس بها، كما أن المنطق يعجزعن البرهان على وجودها، لأن البرهان على وجود نظام في الطبيعة يفترض أن تكون إحدى مقدماته مفيدة وجود النظام ! على سبيل المثال، إذا أردنا أن نبرهن صحة القضية العلمية التالية: كل المعادن تتمدد بالحرارة(دائما) علينا أن نضع ما يلي:
بما أن المعادن التي اختبرناها تمددت بالحرارة
وبما أن المعادن سوف تتمدد بالحرارة دائما !
وهذا استدلال منطقي دائري فاسد، أو حلقة مفرغة) لأن نتيجته المطلوب إثباتها مفترضة في إحدى المقدمات.
خلاصة كلامنا هي أن القوانين العلمية مثل : قانون الكهرباء وقانون سقوط الأجسام وغيرهما ليست بذات أساس مكين.
وفي تاريخ فلسفة العلوم جرت محاولات لإنقاذ مبدأ السببية والمنهج العلمي وبالتالي مصير العلم بالذات نذكر من أهمها المحاولتين التاليتين: محاولة الفيلسوف الألماني كانط الذي بعد أن أيقظته من "سباته العميق" ضربات مطرقة هيوم الساقطة على أساس العلم، ادعى ان مبدأ السببية ليس موجودا في الواقع الحسي، وإنما في العقل النظري ! إذا مبدأ السببية وفقا لكانط ليس معطا حسيا لكنه مقولة عقلية فارغة وظيفتها تنظيم الإحساسات الوافدة من الخارج.

محاولة كانط، في جوهرها، إن هي إلا انتقال من عقيدة الواقعية-الحسية (حيث افتراض وجودعلاقات في الطبيعة) إلى عقيدة جديدة هي عقيدة المثالية المتجاوزة للواقع ! وهكذا ظل أساس العلم عقائديا مقررا من إرادات الفلاسفة. والحقيقةأن العقيدة الكانطية أخطر بكثير من كونها قرارا إراديا لفيلسوف كان متأثرا بظروف زمانه ومكانه. إنها العقيدة التي جعلت العلم نوعا من الانتاج. فالعالم بكسر اللام صانع العالـَم. لم يعد العلم معرفة الواقع (الأشياء في ذاتها) بل صار معرفة لظواهر الأشياء بعد تنظيمها بمقولات العقل النظري وأهمها مقولة السببية، أي بعد خلقها خلقا جديدا عن طريق وضعها في نظام العقل النظري. استنادا إلى ذلك، نحن لا نعرف العالم كما هو، بل كما نريد. أجل نحن لا نعرف العالم في ذاته بل نعرف عالمنا !

المحاولة الثانية لإنقاذ العلم تمت على يد ويل will وهذا جوهرها، يقول: إن الحد بين الماضي والمستقبل ليس ثابتا بل هو متحرك دائما. وكل يوم ينقضي يحمل معه إثباتا لقوانين العلوم. وقد رد الفيلسوف البريطاني راسل بقوله: اليوم الذي انقضى يمكن تسميته بالمستقبل الماضي، لكن يظل هناك المستقبل المستقبل الذي لم نختبره بعد !

واضح أن هاتين المحاولتين الهاددفتين إنقاذ العلم كانتا مخيبتين للأمل. وقد عبر عن تلك الحالة اثنان من فلاسفة العلوم هما: ماكس بلانك ورايشنباخ. الأول بعد أن يئس من غمكتنية البرهان الواضح الثابت على صحة أساس العلم(مبدأ السببية أو نظام الطبيعة)، رأى أن تصنف "مشكلة الاستقراء" في عداد المشكلات المستعصية على الحل مثل تربيع الدائرة واختراع آلات دائمة الحركة ! أما الفيلسوف الثاني الذي توصف فلسفته بالعملانية operationism فقد رأى العلم بخاصة الفيزياء، لا يجوز وصف معرافه بانها صادقة أو كاذبة، ذلك لأن العلم يقوم على مبادئ  وإنشاءات مثالية فكرية تفرض على الطبيعة بهدف السيطرة عليها، تماما مثلما ننشئ شبكة من الاحداثيات ونفرضها أو نلقيها على الكرة الأرضية بهدف توجيه انفسنا عليها. ويقدم رايشنباخ المثال المماثلة التالية لشرح رأيه، قائلا:"الأعمى الذي ضل الطريق في الجبال ليس عليه إلا أن يستشعر طريقه بعصاه، فهو لا يعرف إلى أين سيؤدي به المسار، كما أنه لا يعرف فيما إذات كان سيهوي به الطريق منعلى صخرة ذات منحدر سحيق. وبالرغم من كل ذلك ليس عليه إلا أن يتابع السير مستشعرا طريقه خطوة خطوة بعصاه. فليس امامه سوى ذلك السبيل". ثم يضيف رايشنباخ تماما مثل ذلك الأعمى نقف نحن امام المستقبل" أما عصانا فليست سوى ما نصنع من مبادئ وننشئ من أفكار ونظريات.
جوهر كلام رايشنباخ هو اننا نفترض وجود قوانين طبيعية لأننا نريد أن نقوم بعمليات. وهي هذه الرغبة في عمل شيء، التي تتطلب منا افتراض وإنشاء أفكار منها المبادئ والنظريات العلمية. بكلمة أخرى إن نشوء وتطور العلم قاما ويقومان على عمل من أعمال الإرادة الإنسانية، إرادة السيطرة الدائمة على الطبيعة.

وقد استمر العلماء والفلاسفة بنقد أساس العلم ومنهجه. ونذكر أشهرهم بوبر وفيبر... يقول بوبر إنه جرت العادة على تسمية الانتقال من القضايا الجزئية (التي تصف نتائج الملاحظات زالتجارب التي يقوم بها العلماء) إلى قضايا كلية بانه استدلال استقرائي. ويعقب فورا قائلا" لكن ذلك أبعد ما يكون



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من هم الفلاسفة الطبيعيون أو الحكماء الطبيعيون السبعة؟

أسطورة خلق الكون اليونانية

ملخص محطات من تاريخ تطور الفلسفة