الشخص بوصفه قيمة
تأطير إشكالي
يتحدد
الشخص كذات عاقلة وحرة ومسؤولة، وهي خصائص تجعله متميزا عن باقي الكائنات وذا قيمة
سامية مطلقة نابعة من ذاته كونه إنسانا، لكن في الواقع يعامل الإنسان كما لو كان
شيئا من الأشياء، أو وسيلة لقضاء حاجات ومصالح وإشباع رغبات الأخرين، بل كان
الإنسان يباع ويشترى وتحدد قيمته نسبة إلى قوته ومهارته... هذا إضافة إلى التمييز
بين الناس حسب الجنس والعرق ... (الميز العنصري).
وهو ما يضعنا أمام المفارقة التالية: الشخص،
نظريا، قيمة في ذاته وغاية، لكنه يعامل في الواقع كقيمة مشروطة وكوسيلة.. لذلك
نثير إشكال قيمة الشخص، والتساؤل المطروح. : هل للشخص قيمة؟ وهل هي مستمدة من ذاته
كغاية أم من كونه وسيلة؟
موقف كانط
تشير القيمة إلى الخاصية التي تجعل الشيء محط
تقدير واحترام واستحسان، كما تجعله محط رغبة.. ويميز
كانط بين قيمة الأشياء وقيمة الإنسان. فالاشياء
تمتلك قيمة نسبية ومشروطة لأنها وسائل تحقق المنفعة... أما الإنسان فيختلف عن
الأشياء لأنه كائن عاقل، وهذا العقل هو أساس ومصدر القيمة المطلقة للذات كقيمة
داخليةن بل ككرامة تعلو عن أي قيمة. وتتأسس الكرامة على قاعدة الاستقلال والمساواة
بين الناس. كما أن وعي الشخص بخاصيته السامية لتكوينه الأخلاقي هو الذي يرفعه إلى
درجة الاحترام والتقدير والتكريم، ويجعله غاية في ذاته وليس وسيلة. لكن ألا يعتبر التصور
الكانطي مثاليا بعيدا عن الواقع؟ وإلى أي حد يستمد الشخص قيمته من ذاته واستقلاله
عن الآخرين؟
يبدو
أن التصور الكانطي يرفع من قيمة الشخص رافضا تشييئه واستعباده لأنه ذات عاقلة
وأخلاقية تفرض الاحترام والتقدير في إطار الحرية والمساواة بين الجميع. ولعل هذا
ما يسعى إليه وينادي به دعاة حقوق الانسان. ما يجعل كانط يؤسس فلسفيا لهذه الحقوق
السياسية. لكن الشخص لا يعيش معزولا عن الآخرين فهو يرتبط معهم بعلاقات منها يستمد
قيمته وهذا ما حاول أن ينبه إليه هيغل وغوسدورف...
موقف هيجل
يعترض
هيجل على التصور الكانطي القائل بأن الأفراد يستمدون قيمة من ذواتهم، ويرى في
المقابل أن الشخص يستمد قيمته من قيامه بدوره داخل المجتمع، والتزامه بالواجب الأخلاقي في سلوكه العملي المطابق للقانون الذي
من خلاله يمثل روح ذلك المجتمع أوالشعب الذي ينتمي إليه، بحيث يحتل باعتباره جزءا
مكانة داخل الكل.
غوسدورف
يؤكد
على ضرورة التخلص من وهم الفردانية والاستقلال، لأن الشخص لايمكنه الاستقلال عن
الآخرين. فالشخص ليس بداية مطلقة، بل إن وجوده لا يتم إلا بوجود الآخرين ومعهم،
ومنهم يستمد قيمته، بل وجوده وقدرته على البقاء عبر ارتباطه بعلاقات تضامن وتعايش
ومشاركة في إرساء القيم الإنسانية التي تساهم في رقي الوجود الانساني. وهو ما لا
يمكن أن يتحقق إلا بالوعي بوجود يكتمل بالحاجة المتبادلة إلى الغير. وهكذا فإن الشخص
الأخلاقي هو الذي يرتبط مع الآخرين، وينفتح عليهم ويتضامن معهم وينخرط في قضاياهم
ويعطي بقدر ما يأخذ.
استنتاج
الخلاصة هي أن الشخص يستمد قيمة من ذاته لأنه كائن عاقل وأخلاقي يستجيب لنداء الواجب، غير أن هذه القيمة تسمو أكثر عندما يتجاوز أنانيته وينفتح على الأغيار ويرتبط معهم بعلاقات تعاون وتضامن، وينخرط في المجتمع ويمتثل لقيمه ويقوم بواجباته. وأخيرا فإن كل إنسان يستحق التقدير والاحترام والتكريم لأنه إنسان ومن شروط ذلك أن يكون حرا، لكن السؤال المطروح هل الشخص حر فعلا أم أنه خاضع للضرورة؟