زلزال في امتحان بكالوريا الفلسفة 2025: حين سقطت كل التوقعات وتعلمنا درساً لن يُنسى

زلزال في امتحان بكالوريا الفلسفة 2025: 

حين سقطت كل التوقعات وتعلمنا درساً لن يُنسى

تلميذ يحمل في يده ورق الامتحان مكتوب عليها أخلاق


        مساء يوم الجمعة، 30 ماي 2025، دخل آلاف من تلاميذ السنة الثانية بكالوريا، وخاصة في الشعب العلمية، إلى قاعاتهم وهم يحملون توقعاتهم المبنية على "تقاليد" الامتحانات السابقة. لكن ما حدث في امتحان الفلسفة هذه السنة لم يكن مجرد اختبار، بل كان بمثابة "زلزال معرفي " هزّ قناعاتهم، وكشف عن حقيقة مريرة لطالما تم تجاهلها: في الامتحانات الوطنية، لا مكان للرهانات السهلة أو التوقعات المضمونة.

 المفاجأة المدوية: انهيار "التعاقد الضمني"

     في خطوة "غير معتادة"، تم "استبعاد" مجزوءتي "الوضع البشري" و"السياسة" معاً وبشكل كامل، وهما المجزوءتان اللتان بنى عليهما أكثر من 90% من التلاميذ تكهناتهم واستعداداتهم، واعتبروهما جزءاً من تقليد أو ما يشبه "تعاقداً ضمنياً" غير مكتوب بينهم وبين واضعي الامتحان الوطني. لكن عوض توزيع المواضيع الثلاث على المجزوءات الثلاث من مجموع أربع مجزوءات كما جرت العادة، تم حصر موضوعين ضمن مجزوءة واحدة، مما قضى على آمال المراهنين على التنوع لتدارك الموقف. وهكذا، وجد التلاميذ أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: "المعرفة" و"الأخلاق"، وهما المجزوءتان اللتان لم تمنحهما الغالبية العظمى سوى قراءة عابرة في أحسن الأحوال، إن لم تكن قد تجاهلتهما كلياً.

 بين "الغدر" و"أكبر شمس عشية": أصداء الصدمة

      كان وقع المفاجأة كبيرا على الجميع، فبينما وجد تلاميذ شعبة الآداب أن المواضيع كانت في المتناول، وفي مستوى التوقعات، رغم أن الموضوعين الأول والثاني اندرجا في مجزوءة واحدة وهي "السياسة " شعر تلاميذ الشعب العلمية بما وصفوه على وسائل التواصل الاجتماعي بـ "الغدر" أو "أكبر شمس عشية" في تاريخ الامتحانات الوطنية لمادة الفلسفة، أحسوا أن شهوراً من التركيز على رهان "الشخص" و" الغير" و"الدولة" ونسبيا " الحق والعدالة" قد تبخر في لحظة، ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع مفاهيم وإشكالات لم يُولُوها الاهتمام الكافي.

 الدروس والعبر: ما وراء ورقة الامتحان

       إن ما حدث يوم الجمعة لم يكن مجرد عثرة، بل هو درس بليغ يجب أن نستوعبه جميعاً، تلاميذ وأساتذة على حد سواء. ومن أهم عبره:

1.      سقوط أسطورة "المجزوءات المهمة":

    أثبت امتحان 2025 أنه لا وجود لمجزوءة "مهمة" وأخرى "ثانوية". كل البرنامج الدراسي له نفس القدر من الأهمية، وواضع الامتحان ليس مُلزماً باتباع أي نمط متوقع إلا ما تحدده الأطر المرجعية التي تتحدث عن التغطية، لكن بشكل عام دون تفاصيل دقيقة متفادية وضع قاعدة توزيع المواضيع الثلاث على المجزوءات الثلاث...

2.      الفلسفة ليست للحفظ، بل للفهم والتفلسف:

    يركز تدريس الفلسفة على مهارات وقدرات تتجاوز حفظ مواقف الفلاسفة، وإنما تعلّم التفلسف نفسه: أي كيفية التفكير، والتحليل، والمناقشة، واستثمار المعطيات. فالتلميذ الذي فهم آليات التفكير الفلسفي يمتلك القدرة أكثر من غيره على التعامل مع أي موضوع، حتى وإن لم يكن يتوقعه، بعكس من راهن على الحفظ والانتقاء.

3.     الوعي بتداخل الإشكالات وتشابك المفاهيم والمجزوءات:

     فموضوع القولة الذي بدا للوهلة الأولى يحيل إلى مجزوءة الأخلاق له امتدادات في مجزوءات أخرى بما فيها الوضع البشري والسياسة، وهذا ما كنا نشير إليه دائما، من خلال إبراز تداخل الإشكالات وتشابك المفاهيم والمجزوءات، وهذه القدرة التركيبية، مهارة لا يكتسبها من يراهن على الانتقاء أو يُجزّئ المعرفة حسب رهانات الامتحان فقط.

4.     الاستعداد الشامل هو الاستثمار الأكثر أماناً:

النجاح الحقيقي لا يُبنى على الحظ، بل على الجهد المنظم والمراجعة المتكاملة التي تأخذ كل الاحتمالات بعين الاعتبار.

5.     مسؤولية التوجيه:

     يجب على الأساتذة التأكيد باستمرار على ضرورة عدم إهمال أي جزء من المقرر، وتدريب التلاميذ على التعامل مع المجهول والمفاجئ، بدلاً من تكريس ثقافة التوقعات التي أثبتت محدوديتها.

6.     خطر حصر التعلم في هاجس النجاح السهل:

حصر التعليم في هاجس اجتياز الامتحان بأقل قدر من الجهد، يحول دون تكوين ثقافة فلسفية.. ذلك أن الفلسفة لا تختزل في نقطة الامتحان، بل هي تجربة فكرية تُنمّي شخصية المتعلم وتُكسبه القدرة على التفكير النقدي والتحليل العميق.

7.     تجاوز عقلية " الملخص" أو "السهل" أو "أكثر وروداً"

ضرورة الخروج من منطقة امان ووهم الملخص وجرت العادة ... لأنه يعطّل عملية النمو الفلسفي الداخلي، ويُبقي المتعلم سجين نمط تعلُّم استهلاكي مؤقت، بينما الهدف الحقيقي للفلسفة هو بناء عقلية فاحصة وواعية تتجاوز ورقة الامتحان نحو الحياة نفسها.

 وأخيرا: إن كان رهان فرهان باسكال

       علمنا الامتحان الوطني في الفلسفة لهذه السنة درسا قيما هو أنه في الامتحان لا ينبغي الرهان، بل ينبغي الحرص على التعلم الذي يقوم على استحضار الغاية، وهي اكتساب ثقافة فلسفية وبناء الذات والتي للأسف يغيبها هاجس الحصول على الشهادات، وإن كان لا بد من رهان فرهان باسكال، فعندما نؤمن بإمكانية ورود المجزوءات الأربع، فحينئذ لن نخسر شيئا بل سنربح الرهان وننجح في الامتحان ونكون أكثر ثقة في ذواتنا وقدراتنا وفلسفتنا... فهل نمتلك إرادة ذلك؟

تعليقات