تحليل نص هايدغر تهديد الغير
في مطلب التركيب
كتركيب عام / ينتهي بنا الاشتغال على هذا النص إلى مجموعة استنتاجات لعل
أهمها هو الاختلاف في النظر إلى وجود الغير وأهميته بالنسبة للأنا. فإذا
كان هايدغر يرى فيه عامل تهديد لوجود الذات بما يشكل من تذويب وإلغاء لخصوصيتها
وهويتها... فإن سارتر يرى فيه عامل سلب للأنا عندما يتعالى عليه ويحوله إلى موضوع،
لكنه يضيف أن هذه العملية تجعل الأنا يبادر بالتعالي على هذه الوضعية ويحاول إثبات
ذاته كذات واعية وحرة. وهو ما يجعل وجود الغير ضروريا لوعي الذات. هذا الطابع المفارق
لإشكالية وجود الغير يرتبط بالرهان على ضرورة الوعي بخصوصية الأنا وما يشكله
الوجود الجماعي من تهديد لها. كما يراهن أيضا على ازدواجية هذا الوجود فهو كقطعة
النقود ذات الوجهين، بحيث لا يمكن إلغاء أحدهما، لأن كل وجه يكمل الآخر، ويجعل
القطعة النقدية ذات قيمة. ويمكننا القول إن الوجود مع الغير يفترض الوعي
بضرورته من جهة كونه شرطا لوجود الذات، ومن جهة أخرى يفترض أيضا الوعي بخصوصية وجود الذات التي لها هويتها الخاصة، والتي لا ينبغي في جميع الأحوال أن تتخلى
عنها، أو على الأقل أن تحتفظ بهامش منها ولا تستسلم كليا لسيطرة الغير. والواقع الراهن
يكشف بجلاء هذه الهيمنة القوية للوجود المشترك على كل ما هو خاص. فوسائل الإعلام
مثلا أصبحت أكثر قوة وأكثر تأثيرا وتوجيها، وهي تراهن على إذابة
الاختلاف وتنميط الوجود الفردي وإلغائه، بل وجعل صاحبه يبدو غريبا وشاذا، ليس فقط
بالنسبة للغير، وإنما بالنسبة لنفسه أيضا. ما يؤدي إلى إحداث شرخ في الكينونة
الخاصة بل ورفض الذات. وهذا الإلغاء للخصوصية يتجسد أكثر عند الشباب
على مستوى طريقة التفكير ولغة التخاطب ونوع اللباس وقصات الشعر... لذاك لا
بد من تحقيق نوع من التوازن بين خصوصية الأنا ومطالب الوجود الاجتماعي المشترك. وهو
ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالتأمل وإحداث عزلة واعية أو على الأقل مسافة محددة بين
الذات وبين الغير. لكن ألا تؤدي عزلة الأنا إلى جعل معرفة الغير غير ممكنة؟